توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لا تكبلوا محمد صلاح بالسياسة

  مصر اليوم -

لا تكبلوا محمد صلاح بالسياسة

بقلم - داليا سعودي

لا تقلقنى الأصوات التى تخرج علينا من البقع الكونية المظلمة المنتشرة فى ذهنيتنا العربية المتقرحة، كذلك الصوت الذى دعا محمد صلاح إلى هجر كرة القدم و«إعلان التوبة». فهى فى المحصلة أصوات سأمها السامعون وأبطلتها التجارب وعافها الزمن وعفى عليها. إنما تقلقنى أصوات فئة من الذين يقال لهم «المتنورون» الذين يخشون مظاهر التدين فى سمت بطلنا القومى وربما فى مسلكه. فهى أصوات لو تكاثرت، ولو وجدت آذانا صاغية، سيكون لها أبلغ الضرر وسنكون مثل أوديب الذى فقأ عينيه بيديه.

***

وسط أفراح الاحتفاء بإنجازات محمد صلاح العالمية التى وحدتنا مصريين وعرب، ثمة من راح يبدى تخوفه من شعر نجمنا المسترسل بلا ضابط، ومن لحيته المعفاة، ومن سجداته بعد كل هدف، بل ومن اختياره لاسم ابنته «مكة»، مخالفا بذلك «مواصفات النجم العالمى» ومشابها مظهر «الإرهابيين» كما قيل وكتب. والمؤسف أن السطور الداعية ظاهرا إلى تغيير المظهر، تبدو وكأنها تحمل فى طياتها مساءلة ملتوية لاتجاهات بطلنا السياسية، ومحاصرة لبيان موقع قدميه، وزجرا لتأكيد الاصطفاف. وهو ما أثار استياء عاما عبرت عنه الكثير من المنابر الإعلامية، ورفضته غالبية الآراء على شبكات التواصل الاجتماعى.

الحق أن نموذجا مثل نموذج محمد صلاح من الصعب استيعابه داخل إطار النظم الشمولية. فشىء ما فى تركيبته، شىء حر ومستقل ووافر الاعتداد بهذه الاستقلالية، يؤرق أصحاب تلك الأصوات التى تراه منفلتا من إسار المؤسسة الحاكمة المستقرة. رغم دبلوماسيته الذكية ومبادراته الخيرة السخية، شىء ما يشبه خصلات شعره المتمردة، ولسانه الممدود إثر تسجيل كل هدف، يظهره بمظهر المتمرد على الدروب المرسومة سلفا، شىء ما يشى بفردانيته المستعصية على القولبة والتدجين، شىء ما منغص ومكدر ومربك فى قدرته على التحليق منفردا. فالبعض لم يستسغ مثلا علاقته الودية بالنجم محمد أبو تريكة الذى كان مدرجا على قائمة «الإرهاب» حتى أعادت محكمة النقض العدل إلى نصابه. لكن التركيبة الإنسانية التى يتمتع بها محمد صلاح لم تنتظر إذن محكمة كى تحتفظ بصداقة نبيلة.
***

ربما هو ذلك الخلق الرفيع الذى ساعده على صنع الأسطورة. ذلك المزج الحكيم بين الشغف والانضباط والإصرار على شحذ المهارات. ولا ننسى ذلك الصبر الذى تجرع كئوسه منذ كان يخرج من بيته فى قرية «بسيون» بعد صلاة الفجر كل يوم ليصل إلى ناديه بعد سفر يستغرق خمس ساعات.. كئوس الصبر مترعة لا تنفد وهو جالس على مقعد الاحتياط فى نادى «المقاولون العرب» بعد أن رفضه رئيس نادى الزمالك، أو بعد سنوات فى نادى «تشيلسى» حيث اصطبر عامين على تعنت مورينيو الذى تعمد تهميشه. وها هى حصيلة أيام الجلد تزهر وتثمر. فهو اليوم واحد من أهم خمسة لاعبين على مستوى العالم. ورسميا هو أول لاعب فى التاريخ يسجل أكثر من 35 هدفا فى موسم واحد مع ناديه ليفربول ليتربع على عرش هدافى الدورى الإنجليزى الممتاز. وفى غضون خمسة أعوام منذ احترافه، تقاطرت عليه الجوائز وقفزت قيمته كلاعب إلى 162 مليون دولار. لكن، وسط كل هذه الأرقام، يبقى تميزه الإنسانى مضربا للأمثال. يقول عنه السياسى والكاتب البريطانى جورج جالاوى: «الشىء الوحيد الذى يفوق مهارة محمد صلاح هو شخصيته. ذلك التواضع الذى يعد قدوة لكل الرجال الكبار. هو بحق مفخرة لمصر وللإسلام».

ثم يأتى من كتابنا الأفاضل من يتخوف من لحية طليقة، أو من كنية «أبى مكة» أو من سجدة وسط مباراة. هل تدركون يا سادة مبلغ القوة النفسية التى تقتضيها تلك السجدة وسط عشرات الآلاف فى بلاد تتعالى فيها الصيحات المضادة للمهاجرين إلى الحد الذى أدى إلى التصويت لصالح انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى فيما يعرف بالـ«بريكست»؟ هل تعلمون ما يمكن أن تغيره سجدة البطل صلاح فى ملف دمج المسلمين وتقبلهم فى بلاد شهدت اغتيال النائبة جو كوكس وتزايدت فيها جرائم الكراهية وليس جريمة مقتل الطالبة المصرية مريم عبدالسلام ببعيد؟ هل تدركون أثر هذه السجدة الشجاعة على المهاجرين البسطاء الذين يواجهون كل يوم فى أعمالهم صورا من التضييق باسم الإسلاموفوبيا؟

على أية حال، يجب ألا نحمل اللفتات العفوية أكثر من معناها. ويجدر ألا نتعامل مع تعبير لاعبنا عن تمسكه بعقيدته بعيدا عن سياقه. إذ أحسب أن الأغنية التى ابتدعها مشجعو ليفربول لصلاح، التى يعلنون فيها عن استعدادهم للتحول إلى الإسلام لو سجل مزيدا من الأهداف، هى أفضل تعبير عن قبول الآخر وأبسط وسيلة لإحراز التصالح المجتمعى ولاحتواء الإسلام كديانة معترف بها مليا فى البلاد. فمشجعو صلاح لا يمجدون لاعبهم المفضل فحسب ولكنهم يسعون أيضا عبر غنائهم لإحياء تقاليد التسامح واحترام الآخر التى عرفت بها بريطانيا قبل المد القومى المتطرف الذى شهدته السنوات الأخيرة فى مختلف بلاد أوروبا.

فى هذا السياق الإنسانى العالمى يجدر بنا أن نرى صلاح، لا فى ضوء معاركنا الداخلية الصغيرة أو نوايا إعلاميينا المفخخة. ربما علينا أن ننفذ وصية عالم الفيزياء البريطانى ستيفن هوكينج التى ينهانا فيها عن النظر إلى أقدامنا والتطلع مليا نحو السماء عسانا أن نحجز لأنفسنا منزلة على خارطة الفضائل الإنسانية عبر النموذج المدهش الذى يمثله محمد صلاح. أيها السادة، رجاء، اتركوه حرا جميلا مبدعا يعلو بمهاراته ويعلى معه اسم مصر. لا تطاردوه بصغائر الأفكار أو تحاولوا تسجيل الأهداف السياسية على حسابه. اتركوه يبدع فى المراوغة والترقيص والتهديف ودعوه ينطلق فى سماء الله الواسعة، نجما معبرا عن أحلامنا المنتظرة هى الأخرى منذ أمد بعيد على مقاعد الاحتياط.

 

 

نقلا عن الشروق القاهريه

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا تكبلوا محمد صلاح بالسياسة لا تكبلوا محمد صلاح بالسياسة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon