توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الوطن والشعب.. وأنا

  مصر اليوم -

الوطن والشعب وأنا

بقلم - نصر محمد عارف

 مثلت فترة حكم الرئيس السادات لحظة فارقة، وفاصلة فى تاريخ الثقافة المصرية، وبنية العقل المصرى، بل والخصائص الوراثية لثقافة ذلك الانسان الذى عاش على هذه الأرض، فلأول مرة تشهد الثقافة المصرية تحولا فى أوقات النصر والرخاء؛ كانت تشهده فقط فى لحظات الحروب والكوارث الطبيعية، والأوبئة والمجاعات، وأقصد بذلك التحول الذى مثل نقطة فاصلة، فارقة فى التاريخ الثقافى المصرى، وهو انفجار الأنا، وتغول الذات، وتوحشها على حساب المجتمع، والجماعة الوطنية، فأصبحت الأنا هى القيمة العليا، وهى الهدف والغاية، وهى الإله المعبود، حتى وإن حج صاحبها، واعتمر، وصام وصلى، فكل ذلك من أجل الأنا فى الحياة الآخرة، بعد أن أخذت كل ما تريد من هذه الدنيا، وتضاءلت الالتزامات الجماعية، والعبادات الاجتماعية مثل الزكاة والصدقة والوقف والتطوع، وتعالت الأنا على المجتمع والوطن، وأصبح الثراء، واللذة، والمتعة هى غاية وهدف كل حى فى بر مصر.

منذ سبعينيات القرن الماضى، وبداية سياسة الانفتاح الاقتصادى، ظهرت، ولأول مرة، ثقافة المجاعات، والأوبئة، والكوارث بصورة إرادية، اختيارية؛ لأنه لم يكن هناك أى دواعٍ اقتصادية، أو اجتماعية لظهورها، فأصبح المصريون يعيشون ثقافة المجاعات والكوارث، فى زمن الانفتاح والرخاء، يأكل بعضهم بعضا.

للأسف الشديد، خلال العقود الاربعة الماضية، تحول الإنسان المصرى الى كائن أنوى متمركز حول الأنا يدوس فى طريقه على كثيرين، أحيانا من أهله؛ من أجل مصلحة خاصة حقيقية، أو متوهمة، أو لذة عابرة، أو شهوة غرائزية بهيمية، هذا التحول الشديد صاحبته، حالة من التخدير الوطنى، بحيث أصبح حب الوطن أغنيةً، أو كلمات جوفاء تقال لتبرئة الذمة، أو خداع الآخرين، أو استجلاب المديح والاستحسان منهم، مما أدى الى ظهور حالة غريبة وعجيبة، فأصبحت مصر غير المصريين، وكأن مصر شيءٌ، والمصريين شيءٌ آخر، لا علاقة بينهما، فحب مصر لا يمنع من نهش لحوم المصريين، والمتاجرة بآلامهم ومآسيهم، بل أحيانا تجد من حرفته الغناء لمصر، أو الغناء عليها هو أول من يدوس على المصريين فى طريقه.

تغول الأنا أصبح سمة الثقافة المصرية المعاصرة، وأصبح سمة لصيقة بالشخصية المصرية، وان كانت هناك لحظات للتوحد والحركة الجماعية، كما فى 25 يناير و30 يونيو، ولكنها للأسف بين المصريين المطحونين، الذين يتشاركون البؤس، ويقتسمون المعاناة، أما أولئك الذين هم منا، ولكن خارج دائرتنا، فلهم عالمهم الخاص الذى يحرصون على حمايته.

وفى هذه اللحظة التاريخية، ومصر فى نقطة حاسمة من تاريخها، لن تستطيع أن تنطلق، وتعود الى مكانها، ومكانتها إلا بتغيير ثقافى ثورى، يزيح تلك الصفة الأنوية من الثقافة المصرية، ويعيدها الى جوهرها الانسانى الرائع، الذى كان يتشارك فيه الناس فى كل شيء: فى طبق الطعام، فى الفرح والحزن، يسعدون معا، ويحزنون معا، ولا يتمتعون بشيء لم يتذوق منه الجيران، تلك هى مصر، وأولئك هم المصريون، فكيف نعيدهم؟

إن التخلص من التركة السلبية لثقافة الانفتاح والإثراء السريع، والتباهى على الأهل والجيران، والتمتع بنظرة الحرمان فى عيونهم، إن التخلص من هذه التركة يحتاج جهوداً مضنية من جهات أربع: الثقافة والإعلام، والأزهر، والتعليم بجناحيه العام والجامعى، وهنا يثور السؤال القاسى، هل هذه المؤسسات قادرة على فعل ذلك؟ وهل هى راغبة فيه؟

الثقافة مكبلة عاجزة، لا تمويل ولا دعم كافٍ من الدولة، ولا وعى من طبقة الأغنياء لأهمية الثقافة ودورها، ومن ثم تقديم الدعم الواجب لها، حتى وصلت مصر الى حالة من تآكل الطبقة المثقفة الحقيقية؛ بعد أن جار عليها الزمن، وأصبحت وسائل الإعلام والفضائيات تملأ فراغ العقول بالفراغ، فلا تترك مكاناً لقراءة الفكر أو الأدب، أو أى نوع من الإبداع، والاعلام تسيطر عليه ثقافة الأنا حتى أصبحت عقيدته ودينه، فالسبق الصحفى الذى يحقق تميز الأنا أصبح أهم من الوطن والمواطنين، نشر أى شيء بغض النظر عن آثاره صار هدفاً لكل المجتمع الاعلامى من أجل أن تحقق الصحيفة والصحفى سبقا، حتى وإن دمر المجتمع وأضر بأمنه واستقراره ومستقبله.

والتعليم الآن فى مرحلة الترميم بعد نصف قرن من الإهمال، فهل يستطيع فى هذه المرحلة التى يحاول فيها النهوض بعد عقود من القعود أن يقوم بدور ثقافى تنويرى حقيقي؟ أم أن التركيز فى هذه المرحلة ينصب على الأبعاد المؤسسية والمادية والتنظيمية فى العملية التعليمية؟ إن دور التعليم فى عملية التغيير الثقافى يحتاج الى رسوخ المؤسسات التعليمية؛ خصوصاً الجامعات وتمكنها، ونجاحها فى دورها قبل أن تقوم بدور إضافى.

أما الأزهر والأوقاف فهناك حالة استعصاء شديدة تعود لأسباب بعضها هيكلى تاريخى، وبعضها مؤسسي؛ تحول دون إطلاق عملية تجديد حقيقية للخطاب الدينى، وهذا بدوره يجعل من الصعب على مؤسسات الخطاب الدينى أن تحدث نقلة فى الحياة المصريين الثقافية، فقد تحول دورها إلى عمل روتينى، تجيب عن السؤال أو الفتوى؛ ولا تثير السؤال وتحرك العقل.

نقلا عن الاهرام القاهرية

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوطن والشعب وأنا الوطن والشعب وأنا



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon