أدعو كل رجل أن يقدم الورود لمن حوله من السيدات فى اليوم العالمى للمرأة الموافق 8 مارس المقبل، تقديراً لجهودها فى بناء المجتمع، ومكافحة التمييز والتعصب والعنف بكل أشكاله. المرأة مازالت فى رحلة كفاحها بحثاً عن العدالة والحرية والمساواة، التى توقع المنتدى الاقتصادى العالمى تحقيقها ومقابلة الفجوة بين النوعين فى عام 2186، فى حين وضعتها الأمم المتحدة هدفاً لعام 2030.
حيث واجهت المرأة الكثير من الاعتداءات على حقوقها وكيانها ورغبتها فى التواجد والمشاركة، ليس هذا فحسب بل تجاوز الأمر للتحرش والاضطهاد فى بعض الوقت.
وليس هناك دليلاً واضحاً على ذلك سوى ما يحدث فى الدولة الديمقراطية الأولى عالمياً وهى الولايات المتحدة التى تفشت فيها ظاهرة التحرش ليس على مستوى التحرش بالسيدات العاديات ولكن امتد إلى نجمات هوليود على يد المنتج الأمريكى الشهير هارفى واينستين، الأمر الذى دفع سيدات الولايات المتحدة لإطلاق حملة تحت شعار «me too» لمقاومة التحرش والعنف ضد المرأة.
لذا يعد اليوم العالمى للمرأة الذى يحتفل فيه العالم بالإنجازات العلمية والمهنية والعملية للمرأة من أهم المناسبات العالمية التى تستخدمها المرأة للتعبير عن مزيد من المطالب التى تدعم حقوقها.
والقصة التاريخية وراء إطلاق يوم عالمى للمرأة هى فى حد ذاتها تسجيل لمعاناة حقيقية واجهتها المرأة، الأمر الذى دفعها للتكتل والاتحاد من أجل المطالبة بحقوقها بعد أن أنكرها عليها المجتمع التى تعيش فيه.
وبدأ أول احتفال باليوم العالمى للمرأة فى 1857 عندما خرجن سيدات الولايات المتحدة فى الشوارع يعلنن عن رفضهن لظروف العمل والحياة القاسية اللاتى يمرن بها، ونجحوا بالفعل فى لفت نظر العالم أجمع، وكبار السياسيين فى الولايات المتحدة، ومن هنا اقتصدت المرأة أول حق من حقوقها وهو حقها فى الاعتراض والتعبير عن الرأى، واحتشدن فى الشوارع ليحتفلن بقوتهن الكبيرة التى كانت مجهولة ومُنكرة فى السابق.
ويُعد 25 مارس من عام 1911 يوماً فاصلاً فى التاريخ الحديث للمرأة العاملة، حيث نشب فى هذا اليوم حريقاً ضخماً بمصنع القمصان الثلاثية بالولايات المتحدة وبالتحديد بمدينة نيويورك، وراح ضحية هذا الحريق حوالى 140 سيدة، قُتلن نتيجة غلق المسئولين فى المصنع للأبواب نتيجة خشيتهم من خروج العاملين للتدخين فى الشوارع أثناء تبديل الوردية، الأمر الذى لفت نظر العالم أجمع لظروف العمل القاسية التى تعمل فيها المرأة والتى تؤثر على امكانياتها فى العطاء والتقدم.
وبعد هذا الحادث احتشدن سيدات نيويورك فى قلب المدينة بل وفى أماكن متعددة من الولايات المتحدة وهن يحملن «الخبز والورود» للمطالبة بحياة انسانية تناسب المرأة وتناسب طبيعتها الأنثوية، وفى نفس الوقت تفى بأغراضها المعيشية وأغراض أسرتها.
وبعد عامين من هذا التاريخ وخاصة خلال عامى 1913 و1914 خرجن النساء فى أوروبا ليعبرن عن رفضهن للدمار الذى ضرب العالم إبان الحرب العالمية الأولى، رافعات شعار «من أجل الخبز والسلام»، للمطالبة بالقضاء على العنف والصراع الدولى الذى كان الدافع الرئيسى وراءه ثروات الأمم الضعيفة.
ومنذ تلك التواريخ وبعد أكثر من 100 عام، مازالت المرأة تواجه العنف وظروف العمل القاسية فى الكثير من المناطق حول العالم، وتواجه ظواهر التحرش وإنكار الحقوق، الأمر الذى استدعى منها ودفعها لأن تستمر فى نضال مستمر من أجل حقوقها، ودفع الكثير من الدول لمساندة قضيتها فهناك العديد من الدول التى تعتبر اليوم العالمى للمرأة إجازة رسمية لجميع العاملين ومنها روسيا وأوكرانيا وأذربيجان وزامبيا، بينما تعتبر الصين ومدغشقر ونيبال هذا اليوم إجازة رسمية للإناث فقط.
لا شك أن المؤسسات الدولية ولا سيما منظمة الأمم المتحدة، ومنظمة العمل الدولية تقود حرباً حقيقيةً على الظروف السيئة التى تعيشها المرأة وتواجهها بين الحين والآخر، ولكن مازالت الممارسات الخاطئة التى تُفتعل ضد المرأة فى الكثير من المجتمعات قائمة، بل منتشرة بقوة، الأمر الذى يتطلب مزيد من الدعم الدولى لإتاحة فرص متساوية وإزالة العقبات التى تعوق المرأة من بلوغ المراكز التى يبلغها الرجل.
وأحرزت مصر تقدماً ملموساً فى مجال حقوق المرأة إلا أن هناك العديد من المحاور التى لابد أن تضعها الحكومة على قائمة أولوياتها، وخاصة على صعيد تحسين ظروف عمل المرأة وتمكينها من الوصول إلى عملها بطريقة لائقة.
ويُعد برنامج صندوق النقد الدولى والبنك الدولى لتحسين ظروف عمل المرأة من البرامج المناسبة التى يمكن الاعتماد عليها فى تدشين وسائل مواصلات ذات ظروف أفضل، وبناء حضانات لأبناء العاملات، وكذلك الأمر بالنسبة لمستويات الدخول الخاصة بالمرأة فى القطاع الخاص والتى تجد إلى الآن تمييز بينها وبين مستويات الدخول الخاصة بالرجل، وهو الأمر الذى انعكس على ضعف الرغبة فى العمل لدى شريحة واسعة من سيدات المجتمع، وبالتالى سجل معدل البطالة بين الإناث فى المجتمع المصرى 24% مقابل 12% معدل بطالة إجمالى، ونحو 6% فقط بين الذكور.
تشجيع الفتيات على الالتحاق بالتعليم الجامعى واستكماله من المحاور الهامة التى لابد أن نعمل عليها، لضمان عدالة إتاحة الفرص فى التعليم العالى للإناث والذكور، الأمر الذى سينعكس على تواجدهن فى سوق العمل.
حجم الإنجاز على صعيد الظروف المعيشية والعملية الخاصة بالمرأة فى مصر يتحسن ولكن ببطء، الأمر الذى يتطلب حلولاً جذريةً منا جميعاً، لمواجهة الظروف الصعبة، ومناهضة الثقافة الخاطئة تجاه المرأة، وترسيخ مفهوم جديد يتعامل مع المرأة على أساس المساواة فى الفرص المتاحة فى الإبداع وإظهار القدرات والإمكانيات، بما يؤدى للتنافس المتكافئ على الفرص المتاحة للعمل، والمناصب الإدارية والتنفيذية العليا.
نقلا عن المصري اليوم القاهريه