توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مُجتمَع شائخٌ.. مُجتمَع فتىّ

  مصر اليوم -

مُجتمَع شائخٌ مُجتمَع فتىّ

بقلم - بسمة عبد العزيز

وسط أزماتٍ مُتلاحقة ومُتداخلة تطرقُ أبوابَ العالم، ينتاب المسئولين فى اليابان قلقٌ عميقٌ، لا مِن تهديداتٍ نوويةٍ أو توتراتٍ اقتصاديةٍ، بل مِن أمرٍ يبدو فى ظاهره صِحيًا، مُبشِّرًا، لكنه فى باطِنه باعثٌ على هواجسٍ ومَخاوفٍ شتّى؛ فمتوسط الأعمار لدى الشعب اليابانيّ فى سبيله إلى تحقيق طفرةٍ جديدةٍ، يصل فيها إلى التسعين عامًا بحلول عام ألفين وخمسين.

يعنى هذا أن يتوجه الاقتصاد ــ الذى يحتل مَرتبةً مُتقدمةً على مستوى العالمــ إلى إقامة مشاريع غير إنتاجية، أكثر فأكثر، تؤمن لهؤلاء الذين تقدَّم بهم العمر خدماتٍ نوعية ورعايةً خاصة، وتلك تستهلك أموالًا طائلةً دون عائد مُقابِل، ومِن ثمّ يتراجع الإنفاقُ على أصعدة أخرى؛ هى أعلى تحقيقًا للثروة، وتأمينًا لنفوذ الدولة. الامبراطورية التى سُمِّيَت قديمًا بمَنبَع الشمس، يُخشى عليها أن تصبحَ فى غضون عقودٍ قليلة؛ امبراطورية الظلال الباهتة.

الحديثُ عن تحوِّل التركيبة العمرية للمُجتمَع اليابانيّ مُستمر ومُتزايد، لكن مَن يشاهد برامجَ أو أفلام توثيقية عن اليابان، ومَن يقرأ حول نمطِ الحياة فيها وعن الظواهر التى تُميزها عن أى بلدٍ آخر، ربما لا يكتنفه للحظةٍ واحدةٍ شعور بأن هذا المُجتمَع فى خطرٍ، وأن الدراسات تُعَد، والنقاشاتَ تدور، والاجتماعاتَ تنعقد، لبحث سبل إنقاذه. يكفى لبث الاطمئنان، أن أكثر مِن ربع سكان اليابان وصلوا إلى سن التقاعد أو تخطّوه، لكن كثيرَهم يعمل ويعمل، ولا يكُف عن العمل، وحين يُطلَب مِن رجلٍ أو امرأةٍ على حدٍّ سواء؛ الخلود إلى الراحة ولو قليلًا، يأتى الرفضُ البات؛ فالراحة تعنى موتًا مؤقتًا، لا سعادة ولا استمتاع.

بعضُ المجتمعات كما اليابان، تبدو شابةً فتيةً بأدائِها، رغم أن عددَ كبار السّن فيها يفوق النِسَبَ المُعتادة، بينما تلوح مُجتمعاتٌ أخرى هَرِمة، مُتداعية، رغم أنَّ صغار السّن يمثلون فيها النسبةَ العظمى؛ تحوم فى سمائها روح شائخة؛ هى أقرب إلى النهايات مِنها إلى البدايات، تملؤها التجاعيد شابةً فتُقعِدها، ويغزو فتيانها وفتياتها تعبٌ وإرهاقٌ بلا عمل يُؤدى، ولا جهد يُبذَل، وكأن هزيمةً كاملةً قد سحقت أحشاءهم وهرستها، وأورثتهم مرارة وانكسارًا.

تقترب نسبةُ صغارِ السّن فى مُجتمَعنا مِن أربعين فى المائة، وهى نسبة شديدة الارتفاع إذ ما قورنت ببلدانٍ أخرى مُتقدمة؛ مصر إذًا مُجتمع شاب، يتوقع المرءُ أن يرى فيه وهجًا وتألقًا، إنتاجًا وعزيمةً وقوةَ دفعٍ لا غالب لها، مع ذلك يبدو البؤسُ عظيمًا، وفى قسمات الناس كآبة تلوح؛ لا همة ولا رغبة فى تحقيق إنجاز، بل خواء وأصداء فارغة وكهول مُثقلة؛ كأنها لمَن تجاوز الألفَ عام. مُجتمَعنا فى عنفوان الشباب طبقًا للإحصاءات والأرقام، فى أواخر أيامه طبقًا للمظاهر والأعراض.

قد تُعزى المُفارقةُ إلى شظف العيش وتردى الأوضاع، لكنّ هذا أو ذاك لا يبرر تراخيًا واستسلامًا حاضرين فى العيون، ولا يفسر خضوعًا وانتظارًا لأجلٍ مَحتوم، بل قد يمثلُ فى مُجتمَعاتٍ أخرى دافعًا لمزيد مِن الكفاح، وحافزًا على قبول التحدى، وشقِّ الطريق والنهوض مِن وضع الرِقاد. الفقر لم يكُن يومًا عائقًا أمام أُممٍ يملؤ الأملُ شعوبَها، ويبثُّ القوةَ والعافيةَ فى شرايين رجالها ونساءها؛ شابات وشبان، وعجائز وكهول.

على كلٍّ؛ الفقر عندنا حالٌ مُصطنعة، والموارد الاقتصادية وافرة كما يدرك كثيرون؛ لا تحتاج إلا لضمائرٍ سليمة، وعقولٍ تتدبر أمرَها وتستثمرها على أفضل وجه. صدق حافظ ابراهيم وأوفى، حين سأل يستنكر الأوضاع منذ عقود: ”أيشتكى الفقرَ غادينا ورائحنا.. ونحن نمشى على أرض من الذهب!“. هذا البيت فى ظنى حقيقة، لا مُبالغة فيها ولا تهويل، فبلد يملِك ما لنا مِن ميزات جغرافية ومِن تاريخ وحضارة، لا أقل مِن أن يغدو سيدًا عزيزًا مهابًا؛ لا عبدًا ذليلًا. أن يحيا أهله أصحاء الجسدِ والروح؛ لا كسيريهما.

الحدّ الفاصلُ بين الحالين ليس سرًا، إنها روح الأمل والطموح؛ تغيب عن مُجتمَع؛ فيتهدل وتعلو صفحتَه خطوطُ المَشيب، وتُنفَخ فى مُجتمَعٍ آخر؛ فيتوهَّج وتتلألآ صفحتُه وتزدهر.

 

 

 

نقلا عن الشروق القاهريه

 

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مُجتمَع شائخٌ مُجتمَع فتىّ مُجتمَع شائخٌ مُجتمَع فتىّ



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon