توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

روائح.. ومذاقات

  مصر اليوم -

روائح ومذاقات

بقلم - ماجدة الجندي

 كانت القرفة مطحونة أعوادا، على رأس ما جلبناه من السوبر ماركت العربى فى شيكاغو، قبيل رمضان. أكياس الملوخية المجمدة.. برطمانات ورق العنب المحفوظ, علب الرقاق المجفف، لفائف قمر الدين، أما الفول فكان حاضرا من الأمازون اون لاين.. رسمت وحفيدى فوانيس ورقية.. وأهدته «مه هدية» حضرها له رمضان واتفقت معه انه سوف يشاركنا الصوم لمدة ساعتين فى اليوم..تغرب شمس هذه البلاد البعيدة بعد الثامنة بدقائق.. ويحين الفجر بعد الثالثة صباحا بعشرين دقيقة.. قبيل المغرب بساعة، ضبطت تقنية الساوند كلاود على صوت الشيخ رفعت.. وعرفت الطريق الى الأذان بصوته الرخيم.

لم يفتن تحديد مواضع ابتهالات النقشبدى ..عززت مواقع اليوتيوب والساوند كلاود، بورقة مكتوبة وضعتها فى المتناول، بحيث يصير الإيقاع فى تتال يوحى كأن شيئا لم يتغير.. القرآن فالأذان.. ثم الابتهالات..اخذت ما يكفى من التدريب لأصنع عجينة القطايف فى البيت واطمأننت الى أن الاقراص المحشوة بخليط يحوى بعض القرفة، سوف يؤنس الإفطار فى الغربة.

كنت أريد أن أقبض على «بروائح» و»بمذاقات» و«أصوات» بعينها، هى ما تبقى .. ظننتها قادرة على استعادة زماني.. وملء المقاعد الشاغرة.. تفصلنا، ابنتى وحفيدى وأنا ، ثمانى ساعات عن تلك البلاد القصية التى يتناول فيها ابنى إفطاره ، وسبع ساعات عن الارض التى ما غادرناها إلا بأجسادنا.. لا يبدأ كل المسلمين اول ايام رمضان معا فى تلك البلاد البعيدة.. تربطهم أحبال سرية بمواطنهم الاولي.. قد تساعدك التقنيات الحديثة على إمكانية استحضار مفردات «الونسة».. او ربما تتصور لوهلة انك غلبت وغالبت «الوحشة» .

ربما تدعم إحساسك بمشاهد على شبكة التواصل الاجتماعي، كتلك التى وضعها احدهم ..«فيديو» صوره من اعلى الفندق الموجود فى ميدان سيدنا الحسين.. قبيل أذان المغرب وقد غطت الموائد الإفطار ساحة الميدان، والناس التى لم تجد موضعا تفترش الارض حول الاطباق ، واصوات تختلط خلالها التلاوة و صلصلة وكلام الناس. أغمضت عينى علنى أنجح فى اصطياد هذا المزيج الذى تعودته فى الحسين والذى كنت أستشرف به أمان الوصول..مزيج من رائحة التوابل والكباب والمسك والغبار المنبعث من ترطيب ارض الشارع بعد العصاري.. كيف يمكن ان تنصت للروائح وان تراها معا.. كيف يكون لحاسة الشم آذان وعيون وملمس؟ كيف لرائحة ان تبكيك وتشقيك وتؤنسك وترضيك..، وتمنحك الأمان لو لزم الامر انت تحاول.. ان تكون هناك وانت هنا او تكون هنا وانت هناك.. تتابع ما يشاهده الناس.. تصطنع نفس الإيقاع، حتى الإعلانات لا تنساها.

لكن الحقيقة انك هنا وروحك هناك، او بالاحرى إن «ال هنا» الحقيقية، هى التى «هناك» وأن كل محاولاتك، ولهثك للإمساك بما تتصوره يصنع حضورا حميما، عاجز امام استعادة حضور الروح التى تركتها هناك..هو ليس انشطار ما بين جسد وروح بل هو الغياب أو اللاحضور، لأن الوجود روح أولا .. قد لا تملك شجاعة أن تواجه نفسك بحقيقة ما تحسه، فتمعن فى استجلاب ما تعودت من روائح.. طبق فول بالثوم والطماطم.. طشة ملوخية.. قالت لى جارتى وهى تحييني، انها تستمتع بما ينبعث من روائح الطعام القادمة من شقتنا، وبعد ضحكات تبادلناها ووعد منى لها ان نتشاركه ذات مساء، اخذت طريقى الى خارج البناية علنى أجدها.. كنت افتش عن تلك اللحظة التى تستبق الأذان بساعة والتى كنت أخرج فيها الى الشرفة، فى استراحة محارب اطمئن الى ما تحويه القدور وأهدىء من مواقدها، وسقى الكنافة الساخنة المعطرة بالقرفة، بالشربات، وأروح بثقة، أحمل بعض الماء الى نباتاتى فى الشرفة، حيث كان يختار الجلوس فى تلك الساعة، وسطها، مادا بصره، الى الفراغ، تتمايل رأسه بهزات خفيفة مع آيات التلاوة القادمة من الراديو، لم أكن أقطع صمته.

أربت على كتفه، مغمضة العينين، أستنشق بملء رئتي، رائحة القرفة المختلطة، بالرائحة المنبعثة من الزرع بعدما ارتوي، بينما يغرق بيتنا فى سكينة آيات بصوت الشيخ رفعت.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روائح ومذاقات روائح ومذاقات



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon