توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حان وقت الأنثروبولوجيا في المجتمعات العربية

  مصر اليوم -

حان وقت الأنثروبولوجيا في المجتمعات العربية

بقلم : د. آمال موسى

 في الخمسينات والستينات وحتى السبعينات من القرن الماضي كان التركيز بشكل أساسي في فهم التوترات وتفسيرها وتصادم الرؤى والسلوك، على اعتبار أن كل ذلك نتاج الآيديولوجيات القائمة آلياً؛ بحكم طبيعة بنية الآيديولوجيا على التعصب لفكرة ومعاداة الأفكار الأخرى. في هذا السياق فهمت الشعوب كيف أن الآيديولوجيا فعلاً مولدة للعنف.

غير أنه في العقدين الأخيرين تراجع خطاب نقد الآيديولوجيات لفائدة ظهور خطاب آخر يحمّل مسؤولية التوترات للدين والمذهبية الدينية، وأصبح الدين محل نقد واتهام لدى هؤلاء.

المشكلة أن هاتين المقاربتين محدودتان وتنظر بعين واحدة في قضايا لا تقبل التجزئة. هناك شيء اسمه ثقافة تشمل كل شيء، وكل من فيها مسؤول عن أبسط موقف أو سلوك. توغلنا كثيراً في تجزئة الفهم والحال أن كل مكونات الثقافي في الإنسان تتدخل في تحديد التصورات والمواقف والسلوك: الثّقافة بالمعنى الأنثروبولوجي للمفهوم.

ولعل أحد مكونات الثقافة المتمثل في العادات والتقاليد مثلاً، هي الأكثر فعلاً في إنتاج المواقف وتحديد السلوك. ذلك أن العادات والتقاليد ركيزة من ركائز الثقافة من زاوية علم النفس الاجتماعي، وهي التي تطبع الثقافة بخاصية المحافظة.

ونحن اليوم في سياق قيمي إنساني عالمي ينتصر للفردانية فيكون التصادم والتوتر الذي يبدأ داخل الذات الواحدة، ثم بين الذات والأخرى، وداخل الأسرة، وبين الأجيال، وبين الطبقات، وبين المجتمعات: وتتسع الحلقات المفرغة وتتكاثر.

لنوضح فكرتنا أكثر: يجب أن نوسع مجال النقد ليشمل مكونات الثقافة كافة ولا نقتصر على مكون ونهمل المكونات الأخرى الأكثر فعلانية وتأثيراً وخطورة. فقد حان الأوان كي نسلط الضوء على العادات والتقاليد المتحكمة في التمثلات والمواقف والسلوك. إنها - أي العادات والتقاليد - سلطة حقيقية تتجاوز الدين في كثير من السياقات. فالدين أكثر تسامحاً من العادات والتقاليد في وضعيات اجتماعية كثيرة. من ذلك أن الدين ليس ضد الطلاق الذي يعد حلالاً وإن كان بغيضاً. في حين نجد مجتمعاتنا ما زالت تنظر للمطلقين نظرة ريبة ورفض. الدين الإسلامي مثلاً يقدم حلولاً عدة لمشكلات اجتماعية كثيرة. بمعنى آخر، كثيراً ما تقف العادات والتقاليد ضد الفرد وحريته واختياراته. فالعادات والتقاليد ذات سطوة، وتتميز بصعوبة التغيير وذات روح مقاومة جبارة وهي من أصعب عمليات التغيير الاجتماعي للقيم والثّقافة. هنا تكمن المشكلة: في الثقافة. لا تغيير للإنسان العربي خارج الفهم الثقافي النقدي. ولا يمكن للتغيير أن يتحقق ولو جزئياً إذا لم نفتح ورشة الثقافة على مصراعيها ودون حدود. يقول أحد أعلام الأنثروبولوجيا فرانز بوس في قالب سؤال مهم: «كيف لنا أن ندرك الأغلال التي كبلتنا بها التقاليد؟ فعندما ندرك وجود الأغلال سوف نتمكن من تحطيمها».

ونحن - المجتمعات العربية - لنا من الأغلال ما منع عملية التقدم. نتحرك ونفكر ونشعر ونحلم ونحن مكبلون بأغلال لا ترى. إنها أغلال رمزية وهي أكثر متانة وحديدية من الأغلال المحسوسة.

لذلك؛ يبدو لنا أنه حان الوقت كي نعطي لعلم الأنثروبولوجيا قيمته كما فعلت المجتمعات المتقدمة منذ أكثر من قرن. فهذا الاختصاص العلمي مميز جداً، وله نكهته الخاصة وجدواه الاستثنائية. علم يعرفه رواده الكبار بأنه «يبحث في معنى كونك إنساناً على نحو مستفيض». يطرح أسئلة تنبش من خلال الدراسات التجريبية الميدانية في معاني الحياة الإنسانية، ونجد في فرع الأنثروبولوجيا الاجتماعية الثقافية نظريات وتجارب ومفاهيم؛ ما يساعدنا على فهم معاني الإنسان العربي وتفكيك بنيته الثقافية وتشريحها، على نحو يزيل عنه أكثر ما يمكن من الأغلال المانعة للحياة وللتحقق الذاتي الاجتماعي المنتصر للإنساني. في هذا الإطار من الأهمية القصوى لاختصاص الأنثروبولوجيا، فإنه قد حان الوقت كي تنفتح جامعاتنا على هذا الاختصاص، الذي يعرفه الأنثروبولوجي إيريك وولف بأنه أكثر تناولاً علميّاً للإنسانيات وأكثر العلوم إنسانية. ما زالت أقسام علم الاجتماع في جامعاتنا العربية لا تُولي الأنثروبولوجيا ما تستحقه، والحال أننا في حاجة إلى باحثين متخصصين يقاربون مجتمعاتنا أنثروبولوجياً. نتعامل مع اختصاص شاسع ومهم كمادة من المواد الاجتماعية فقط. وهذا حسب اعتقادنا نعده تقصيراً لا ريب فيه. والمختصون العرب القلائل في بلداننا في مجال الأنثروبولوجيا حصلوا على شهاداتهم من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بشكل خاص. بمعنى آخر الكوادر الأكاديمية موجودة، ولكن نحتاج إلى وعي مخصوص بأهمية تكوين قسم خاص بالأنثروبولوجيا في جامعاتنا تماماً مثل اختصاصات التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس...

لقد حان وقت الأنثروبولوجيا كما سبق وقال منذ سنوات الأنثروبولوجي ريك سالوتين.

حاجتنا إلى مقاربة أنثربولوجية ودراسات ميدانية باتت حيوية جداً.

نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية  
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حان وقت الأنثروبولوجيا في المجتمعات العربية حان وقت الأنثروبولوجيا في المجتمعات العربية



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon