توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كافكا.. وكوابيس اليقظة -3

  مصر اليوم -

كافكا وكوابيس اليقظة 3

بقلم - بهاء جاهين

 ذروة كوابيس كافكا قصته «المسخ» (1912). وكلمة مسخ هنا هى اسم فعل يصف عملية مسخ أو تحويل كائن بشرى إلى صرصار. تبدأ القصة برجل - اسمه جريجور سامسا ويعمل بائعاً متجولاً يسافر بين البلاد - يصحو من نومه متأخراً عن ميعاد عمله, ويحاول النهوض بسرعة ليجد نفسه عاجزاً تماما؛ فقد تحول من إنسان إلى حشرة مقلوبة على ظهرها, أرجلها العديدة تتحرك بلا انقطاع, دون جدوي. هذا الموقف المبدئى هو أيضاً ذروة, لا للجو الكابوسى فقط, بل للتجسيد الرمزى للعجز فى الأدب؛ العجز والتفاهة وضآلة الشأن, وربما الأدق أن نقول: «الإحساس» بالعجز والتفاهة وضآلة الشأن. لأن ذلك البائع الذى يستيقظ ليجد نفسه على هذه الحال, أمام نافذة تكشف له عن صبح ضبابى ممطر, هو ذروة مجسدة للتعبير عن اكتئاب الوجدان؛ حيث انعدام القدرة والرغبة معاً فى أى فعل, والشعور بالضآلة والانسحاق. ويكشف تطوّر أحداث القصة عن أبعاد أخرى للورطة, وأعراض كلاسيكية أخرى لحالة الاكتئاب الوجداني. فجريجور سامسا, الذى يعيش مع والديه وأخته, تعود قبل النوم أن يوصد باب غرفته من الداخل بالمفتاح. وحجرته لها عدة أبواب تفصلها عن صالة الطعام وحجرة الأخت, كلها مغلقة من الداخل. وهذا يعمق الورطة الكابوسية؛ لأن الأهل الذين ينادونه ليستيقظ ويخرج لعمله لا يستطيعون الدخول لمساعدته على النهوض, وحين يرد عليهم, بكلام يفهمه هو, لا يفهمونه ؛ لأن صوته هو الآخر تحوّر من حالة الإنسان المبين إلى حال الحشرة. وكل هذا ليس فقط تطورات متصاعدة للمأزق/الكابوس, بل هو أيضاً تجسيد بليغ لحال العزلة والعجز عن التواصل الإنسانيّ الذى يعانيه الوجدان المكتئب. ومن أهم الأعراض لهذه الحالة أيضاً, أن تستيقظ من نومك شاعراً بكل هذا, «على الريق».

ويتصاعد كابوس اليقظة: فيصل باشكاتب الشركة التى يعمل لحسابها سامسا متسائلاً عن سبب تغيبه عن العمل. وينضم صوت الباشكاتب لطائفة المنادين على سامسا عبر الأبواب محكمة الإغلاق. ولعجز سامسا عن إيصال صوته الإنسانى وكلامه المفصّل, يجيب عن طلب الباشكاتب منه أن يفتح الباب بكلمة واحدة من مقطع واحد, تصل إلى رئيسه رغم تغيّر آلة النطق عنده من حنجرة بشرية إلى صفارة صرصار- فيجيبه قائلاً: لا. وأمام هذا الرد الوقح, يهدده الباشكاتب بالفصل, فيلقى سامسا بثقل جسده منذعراً إلى الأرض ويزحف إلى الباب, فيستند إليه بأرجله الكثيرة, ويعالج المفتاح بفمه حتى ينفتح بعد عذاب طويل.. وهنا يصل الكابوس إلى ذروته: لقد تكشف للأهل ورئيس العمل أن سامسا تحول إلى حشرة مقززة عملاقة..

هنا ينتهى الفصل الأول من قصة كافكا الطويلة أو روايته القصيرة: «المسخ». والفصلان المتبقيان يتتبعان نتائج وتطورات هذا الموقف المبدئى الكابوسيّ, حتى تنتهى الحكاية بموت سامسا, وحصوله على الخلاص هو وعائلته. والعجيب أن هذه القصة أيضاً, كما رأينا فى روايته «أمريكا», تنتهى بنغمة متفائلة: فالربيع اقترب, والأخت جريتا تفتّح برعمها وصارت وردة متألقة, اكتمل بهاؤها بعد انزياح الكابوس.

إن قصة «المسخ» هى ذروة بأكثر من معنى وعلى أكثر من مستوي. فقد بلغ فيها التكثيف قمته لانسحاق الفرد أمام المؤسسة, وشعوره بالغربة والعزلة والعجز. والمؤسسة هنا ليست بضخامة الهيئة القضائية فى رواية كافكا «المحاكمة» أو الهيئة البيروقراطية العملاقة فى «القلعة» أو الفندق الغربى فى «أمريكا», فهى مجرد شركة تجارية صغيرة, إلا أن سلطتها على جريجور قهّارة. وينضم الأب أو السلطة الأبوية فى «المسخ» إلى مؤسسات القهر المتعددة فى أعمال كافكا. ورغم كل هذه القتامة, فإن كتابات كافكا ساحرة وممتعة, لأنه يعرف كيف يكتب بشكل مختلف, وكيف يصل إلى عطر الشعر من دروب خفية, وبلغة لا تدعى الشاعرية, بل تغوص فى متاهات القانون وأوراق الموظفين.. أو حتى علم الحشرات!


نقلا عن الاهرام القاهرية

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كافكا وكوابيس اليقظة 3 كافكا وكوابيس اليقظة 3



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon