توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الرئيسُ والبيسكليت..والعجبُ العجاب

  مصر اليوم -

الرئيسُ والبيسكليتوالعجبُ العجاب

بقلم : فاطمة ناعوت

 فى زيورخ السويسرية، كنتُ أقفُ مع مجموعة من شعراء العالم، أمام باب المسرح الكبير، الذى سنقرأ قصائدنا على خشبته بعد قليل، ضمن فعاليات مهرجان «المتنبى» الشعرى العالمى الشهير. وفيما نتحدث ونراجع قصائدنا، شاهدتُ رجلا يتقدّم نحو بوابة المسرح راكبًا دراجة هوائية، ترافقه حسناءُ تقود دراجتها، وقد اعتمر كلٌّ منهما خوذة فوق رأسه، كما ينصُّ قانونُ قيادة الدراجات. صفّا الدراجتين، وخلعا الخوذتين، ثم دخلا المسرح، بهدوء. أدهشنى المشهد، فهمستُ للرفاق من الشعراء: انظروا إلى الشعب السويسرى المثقف! عاملٌ بسيط، ربما بالكاد يجد قوتَ يومه، اصطحب زوجته للمسرح ليستمعا إلى الشعر، والتذكرة مائة فرانك! الفنونُ والآداب فى دول العالم الأول ضرورةُ حياة، وليست رفاهية. يا بختهم!

بعد برهة، خرجت من المسرح صديقتى البروفيسورة «أورسولا باخمان»، الفنانة التشكيلية ورئيس المهرجان، وقالت لى: تعالى، أريد أن أُعرّفكِ على شخصية مهمة. دخلنا المسرح، وتقدّمتنى إلى الصفّ الأول، حيث يجلس العاملُ البسيط وزوجته. نهض الرجلُ وصافحنى. أشارت إليّ باخمان وقالت: مسز ناعوت، الشاعرة المصرية. ستقرأ قصائدها فى أمسية الليلة، ثم أشارت إليه ونظرت لى: مستر ألمار ليدر جيربر، عُمدة زيوريخ، والسيدة قرينته، حضرا خصيصًا ليستمعا إليكم. حملقتُ غير مصدقة! كان رئيس دولة مَن ظننتُه عاملا بسيطًا، لأنه جاء على بيسكليت، وليس فى سيارة فارهة مُصفّحة تسبقها كونستابلات التشريفة صاخبة الصوت، كما هو مُدوّن فى أدبياتنا العربية.

والحقُّ أن قيادة الدراجات متعةٌ كبرى لا يعرفها إلا مَن جرّبها. صديقة البيئة النظيفة، وضرورة مُلحّة فى البلدان التى يخنقها الزحامُ والتلوّثُ ونقصُ الطاقة، مثل مصر الطيبة. والحقُّ أيضًا أن الرئيس عبدالفتاح السيسى حاول أكثر من مرة أن يرسل برسائل للشعب المصرى لحثّه على توسّل الدراجات لتوفير الوقود وتقليل عوادم الاحتراق التى تضعُ مصرَ على رأس الدول الأعلى فى التلوث البيئى. قاد الرئيسُ دراجته أمام الناس مرات، وتخيّلتُ وقتها أن الرسالة وصلت، وأن الدراجة ستغدو ثقافة مصرية، بعدما شجّع رأسُ الدولة المواطنين على ذلك. ولكن للأسف حوّلنا الأمر إلى طُرفة ثم نسينا الطرفة، وماتت الفكرة التى لم تكد تولد.

لماذا تذكّرتُ واقعة زيورخ والدراجة بعد حدوثها بعشر سنوات؟ لأننى كنتُ فى الإسكندرية لإلقاء محاضرة فى نادى إنرويل الخيرى. وقررتُ وصديقتى هدوء الحوفى، أن نركب الحنطور ونتجول على الكورنيش. ومازحتُ بندق الحصان ومحمد صاحب الحنطور، وكانت جولة عظيمة. لكن رسالة من أحد قرائى وصلتنى تقول: مررتُ جوارك، وشاهدتك على الكورنيش. لكننى لم أصدق أنك الكاتبة فاطمة ناعوت! فليس من المعقول أن تركبى الحنطور هكذا ببساطة وسط الناس! خسارة فاتنى أن أتصور معك!

وقررتُ أن أردّ على القارئ بهذا المقال؛ لأخبره بأننى أركضُ فى الشارع، وأجلس على الرصيف، وأقود دراجتى، وأطيّر طيارات ورق. وحين أصادفُ الحنطور لا أكتفى بالركوب، بل أقود زمامه، وأداعبُ الحصانَ وأطعمه وأكلّمه، وأتعرف على اسمه، ولا أتركه إلا ونحن صديقان. ولى أصدقاء كثيرون من سُيّاس الحناطير فى القاهرة والأقصر والإسكندرية، أحفظ أسماءهم، وأسماء أحصنتهم. ولى مع كل منهم ذكريات جميلة وصورٌ كثيرة تخلّد تلك اللحظات الطيبة.

أحلم باليوم الذى أرى فيه حاراتٍ ورديةَ اللون على جانب كل طريق فى مصر مخصصةً للدراجات الهوائية. فلا سبيل لمواجهة الزحام وأزمات المرور، وتوفير الطاقة وتقليل التلوث والتخفيف من اكتظاظ الحافلات بالبشر، إلا بأن تصبح ثقافة ركوب الدراجة راسخة فى مصر، كما هى فى الصين وهولندا وكندا وغيرها من دول العالم الذكى الذى نجح فى حلّ مشاكله الكبرى بحلول بديهية، نراها نحن، للأسف، مسارًا للسخرية والتندّر والعَجب العُجاب. بينما العَجَبُ كلُّ العجبِ، هو التعجّبُ مما لا عجبَ فيه، ويفعله سكانُ الكوكب يوميًّا ببداهة وبلا عجب!

نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرئيسُ والبيسكليتوالعجبُ العجاب الرئيسُ والبيسكليتوالعجبُ العجاب



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon