توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البريء

  مصر اليوم -

البريء

بقلم - حازم الامين

مع قدر من التغاضي عن الفروق، تصلح قصة الفنان زياد عيتاني لأن تكون موازياً لبنانياً لقصة الضابط الفرنسي ألفريد دريفوس الذي اتهم في نهايات القرن التاسع عشر بإرسال ملفات سرية إلى ألمانيا، وإلى أن حكم القضاء ببراءته كان المجتمع الفرنسي عرضة لانقسام حاد حول قضيته، وتوج هذا الانقسام بالمقال الشهير للكاتب أميل زولا: «إني أتّهم».

وليس مرد الشبه بين القضيتين هو براءة كلا الرجلين، بل ما كشفته السجالات حولهما من دلالات، ففي فرنسا كانت اللاسامية تكشف مرة جديدة عن وجهها عبر المسارعة إلى اتهام الضابط اليهودي البريء بقضية عاد القضاء وبرأه منها، وفي لبنان لـ «مقاومة التطبيع» قوة قادرة على دفع عدم الراغبين في المقاومة إلى السجون، وما أكثر هؤلاء، لكن ما أضعفهم أيضاً، فهم سريعاً ما يهبون إلى الانضمام إلى جوقات «المقاومة»، وكل ما لديهم لقوله في وجهها: «نحن المقاومة الأصلية»، وفي أحسن الأحوال تلوح عبارة: «لقد قاتلنا إسرائيل قبل أن يقاتلها حزب الله». «حزب الله» خلف لدى خصومه خوفاً يشبه خوف الأقليات اليهودية في المجتمعات الأوروبية في بدايات القرن الفائت. تقية تكشف عن نفسها عبر تبني خطاب مضطهدها. زياد عيتاني عميل إسرائيلي! إذاً لا حصانة تحمي الرجل. التحقيقات التي سُربت فور القبض عليه مذهلة لجهة عدم واقعيتها، وهذا لم يحصن الرجل ولم يستدرج شكوكاً تُذكر بقضيته! فانضم معظمنا إلى جوقة مُديني تورطه، ورحنا نُفسر اتصالاته بنا بصفتها محاولات «مد خطوط تطبيعية معنا».

في أنفسنا ووجداناتنا ثمة ما هو أقدر من قناعتنا. قوة قد لا توازي في تعقيدها اللاسامية التي كانت وراء ميل الفرنسيين إلى تخوين ضابط يهودي، لكنها تشبهها في بعض أوجهها. «مقاومة التطبيع» والخوف من «شبهة التطبيع»، سقط معظمنا فيها، واخترنا زياد عيتاني كبش فدائها. واليوم تجرى محاولة لقصر التخلي عن زياد على عدد من أصدقائه، والحقيقة أن شرائح واسعة منا صمتت، على الأقل، على ظلم وقع تحت أعينها، وهي تدرك تنافس الأجهزة على صيد تتوّج فيه نجاحات كاذبة. وما نقله محامي زياد عنه لجهة أنه يتعرض لأنواع من «التعذيب المذلّ» لسحب اعترافات واهية جاء الذهول منه بعد إعلان البراءة وليس قبلها.

الظلم الذي أصاب عيتاني مذهل، لجهة وضوحه ولجهة عدد المشتركين في إيقاعه على كرامة الرجل وعلى حريته، وهو قد يوازي ما يمكن أن يقع على شعب بأكمله. بل إن المفارقة هنا هي أنه بدل أن يكون ثمة ظالم مستبد و «شعب مظلوم»، نحن في حالة عيتاني أمام مظلومٍ واحد وأمام شعبٍ ظالم. وهنا يكمن الشبه بين قضيتي دريفوس وعيتاني.

وإذا ما وُجد من يكتب «إني أتّهم» لبنانياً فإن الأبرياء في حالة عيتاني قليلون، ذاك أن السوشال ميديا تحولت في حينه إلى جدار تبرؤ من الرجل، وإلى سجالات حول حقه في أن يورد أسماء من أوردهم التحقيق المزور الذي سُرب للإعلام، وقليلون من تناولوا ركاكة التحقيق وكاريكاتوريته في ضوء «المهمة التي أوكلها الموساد له»، وهي دفع المثقفين للتطبيع مع إسرائيل!

قبل إعلان وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق براءة عيتاني بنحو شهر، كتب الصحافي اللبناني فداء عيتاني القصة الكاملة لبراءة الفنان، وحوت معظم العناصر التي تكشفت اليوم. وفي حينه استُقبلت القصة بحذر، ذاك أن التهمة أقوى من أن تضعفها حقيقة حصل عليها صحافي، وأثبتت الأيام صحتها. ناهيك عن أن الوزير نفسه لم يجد غير عروبة زياد و «لاتطبيعيته» عنواناً لبراءته.

لا أبرياء في قضية عيتاني سوى الرجل المُدان، ومثلما لم تتعظ أوروبا من قضية بريئها في بدايات القرن الفائت فكررت الجريمة على نحو أبشع في منتصفه، لن تكون قصة عيتاني سوى محطة نتجاوزها فور عودة بريئنا إلى بيته، وسنستأنف بعدها جرائم أفظع.

 

 

نقلا عن الحياة اللندنيه

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البريء البريء



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon