توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

انتفاضات إيران و إنتاج الديكتاتورية

  مصر اليوم -

انتفاضات إيران و إنتاج الديكتاتورية

بقلم - بشير عبدالفتاح

تشي أدبيات الثورات بأنها قد تستغرق حيناً من الدهر كي تؤتي أُكلَها، وأن القليل منها هو الذي يصل إلى منتهاه ليبلغ مبتغاه. وليست بدعاً الثورة الإيرانية التي اندلعت عام 1977 ولم تتمكن من إسقاط نظام الشاه إلا عام 1979، إذ لم يكن التخلص من أوليغارشية الشاه وديكتاتوريته كفيلاً بالعروج بالبلاد إلى واحة الديموقراطية والتنمية. فلم تكد تمضي سنوات قلائل على طي صفحات العهد البهلوي، حتى وجد الإيرانيون أنفسهم أسرى ثيوقراطية نظام الولي الفقيه، الذي انفرد بالسلطة وباشر عملية الإقصاء الممنهج لبقية التيارات السياسية والفكرية التي صنعت ثورة الشعب. ومنذ الثامن والعشرين من الشهر الماضي، تترنح إيران على وقع موجة ثورية تصحيحية للثورة الأم، وإن بدت محفوفة بمخاوف جمة وهواجس شتى من أن تتمخض، إذا ما نجحت في إسقاط نظام الولي الفقيه من دون أن تقدم بديلاً مدنياً ديموقراطياً، عن إفساح المجال أمام الحرس الثوري لانتزاع الحكم بذريعة ملء الفراغ السياسي، الأمر الذي يفضي إلى إعادة إنتاج التسلط والقهر بحيث يجد الإيرانيون أنفسهم وقد انتقلوا من سطوة الثيوقراطية الدينية الفاشية، إلى ربقة الديكتاتورية العسكرية المتسلطة بقيادة الحرس الثوري.

فمنذ خلافة خامنئي الخميني عام 1989، تنامى وتشعّب دور الحرس الثوري، المساند للمرشد الجديد المضطرب، في شكل لافت. فالحرس يهيمن على ما يفوق 40 في المئة من اقتصاد البلاد بعدما بات أكبر المستفيدين من سياسة الخصخصة التي أتاحت تحويل قرابة 90 في المئة من المؤسسات والمشاريع الحكومية إلى شركات تابعة له وللمرشد. كما بسط هيمنته على إمبراطورية اقتصادية ضخمة تتضمن شركات للنفط والتجارة وصناعة السلاح وغيرها، الأمر الذي مكّنه من تطوير منظومة ضمَنت له ولاء ملايين الإيرانيين، الذين خرجوا بعد أسبوع على اندلاع الاحتجاجات الأخيرة في تظاهرات مضادة لتأييد الطغمة الحاكمة والتنديد بالمعارضين. ونجح الحرس الثوري في نشر رجاله في مواقع حساسة ومناصب مهمة في مؤسسات الدولة. كما أحكم سيطرته على البلاد بعدما تفاقمت قدراته العسكرية والأمنية والاستخبارية، التي ترتكن إلى منظومة عتيدة تتمثل في: مجمع صناعي عسكري، مؤسسات إعلامية، ثلاث وكالات استخبارية منفصلة، موالاة قوات الباسيج وتنظيمات مدنية مدرّبة، فضلاً عن الإشراف على العمليات العسكرية والسياسات التدخّلية في الخارج. وبمرور الوقت، ومع تعاظم دوره في قمع الموجات الثورية المتتابعة التي هزّت البلاد طيلة العقود الأربعة المنقضية؛ بغية تصحيح مسار الثورة الأم، بدأ الحرس الثوري يتطلع إلى ترجمة نفوذه المتعاظم داخلياً وخارجياً، إلى حضور طاغ في معادلة السلطة والحكم، ربما يلامس الحلول محل الملالي، محاولاً استثمار الفراغ السياسي الذي من المحتمل أن يحدث جراء غياب البديل المدني المناسب.

وتوخياً لبلوغ غايته تلك، لم يدخر قادة الحرس وسعاً في إجهاض الموجات الثورية التصحيحية. واليوم، لا يتوانى الحرس عن تقويض الموجة الثورية الأخيرة، بعدما تجاوزت الخطوط الحمر وتحدّت التهديدات والتحذيرات بتصفية المشاركين فيها، كما طالت التابوات السياسية بتوجيهها الانتقادات للخميني، مؤسس نظام الولي الفقيه، ومطالبتها بالموت والسقوط للمرشد الحالي والرئيس روحاني وقيادات الحرس الثوري.

ولما كان الحرس الثوري هو المعني بصيانة التوجه الإسلامي للبلاد وحماية نظام الولي الفقيه، فقد أبت قياداته إلا مواصلة عملية التجريف الممنهجة للتربة السياسية الإيرانية وتجفيف روافد طبقتها السياسية عبر عمليات القمع والإقصاء المتواصلين لرموز النخبتين الفكرية والسياسية، متوسلة بتقويض أي بديل مدني. وحرص الحرس الثوري على تجاوز اختصاصاته وانتهاك الدستور عبر الاضطلاع بدور مركزي في اختيار خليفة المرشد الحالي، الذي يحاصره الدهر وينهكه الداء العضال، من خلال الدفع برجل الدين المتشدد إبراهيم رئيسي، الذي سبق للحرس أن دعمه خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة ضد روحاني. وعلى رغم تواضع مؤهلاته وجهوزيته لتولي المنصب، إلا أن علاقة رئيسي القوية بالدولة العميقة وموالاته المطلقة للحرس الثوري، كفيلتان بتعزيز فرصه في اقتناص أرفع منصب ديني وسياسي في البلاد، ليكون ستاراً لزحف الحرس صوب تحقيق غاياته. وإذا ظلّت الساحة السياسية الإيرانية مفتقدة لتيار مدني ديموقراطي بمقدوره تقديم بديل أفضل، فلن يكون عصياً على الحرس الثوري بلوغ مآربه في استغلال الموجات الثورية التصحيحية المتتابعة للانقضاض على السلطة يوماً ما. وحينئذ لن يكون بمقدور ثورة إيران التعسة والممتدة أربعة عقود، النجاة من التيه.

نقلا عن موقع الحياه اللندنيه

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتفاضات إيران و إنتاج الديكتاتورية انتفاضات إيران و إنتاج الديكتاتورية



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon