توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصنع الأخبار الحلوة

  مصر اليوم -

مصنع الأخبار الحلوة

بقلم : داليا شمس

 طالعت فى الصحف خبر تنظيم مؤتمر حول الإعلام الإيجابى، نهاية شهر يناير الماضى، فى بيروت، ما جعلنى أتوقف مجددا عند هذا المفهوم الذى بدأ فى الانتشار مؤخرا، خاصة على يد جمعيات ومنصات مثل «مراسلو الأمل« التى ظهرت عام 2004 أو «سبارك نيوز« التى لم يتجاوز عمرها ست سنوات. الجمعية الأولى كانت وراء إطلاق المفهوم الذى يشار له أيضا بالصحافة البناءة أو ذات التأثير، أما المنصة الثانية فساهمت بفاعلية فى الترويج له، معلنة عن طموحها فى أن تشكل على المدى القصير الصحافة الإيجابية ما بين 5 و 10% من المحتوى الإعلامى السائد. الأمر يتعلق بالتصدى لأخبار إيجابية حول مبادرات ناجحة قام بها أفراد أو لقصص تحمل حلولا للمشكلات التى يتم عرضها، حتى لا يظل القارئ أسيرا لأنباء الحرب والكرب والقتل والإرهاب والكوارث، التى ملها وصارت تؤثر على حالته النفسية فأحجم عن شراء الصحف ومتابعة الأحداث، وفقا لبعض دراسات السوق والمبيعات. على سبيل المثال بدلا من الاكتفاء بتناول آثار إعصار أو فيضان، تنشر الصحف التى تتبنى هذا المفهوم موضوعات حول التعامل الإيجابى للمواطنين مع الكارثة الطبيعية، وكيف تغلبوا عليها، وبدلا من عمل ريبورتاج حول تأخر القطارات عن مواعيدها يتم طرح حلولا أو بدائل، مع فتح باب النقاش بمشاركة الجمهور، أو تخصص الصحف والبرامج أبوابا ثابتة تقدم من خلالها بورتريهات لأبطال هذا الزمن من البسطاء والناس العاديين الذين أحدثوا فرقا. أى أنها دعوة للتفاؤل والإيجابية أمام طوفان الكآبة الذى لم يعد يحتمله المتلقى. وقد تبنتها أكثر من 55 جريدة حول العالم تحتفل سنويا بيوم «صحافة التأثير«، رغبة منها فى إحداث تأثير بزيادة المبيعات واجتذاب المعلنين.

***

يقلب هذا التصور المفاهيم السابقة، فهو لا يرى أن العالم مجال مفتوح للصراعات، وأن مصائب قوم عند قوم فوائد، وينفى أيضا المقولة السائدة فى الصحافة التقليدية إن « نزيف الدماء يصنع الحدث« أو (If it bleeds, it leads). واللافت أن صحف مشهودا لها بالجدية والرصانة مثل الجارديان البريطانية أو ليبراسيون الفرنسية أو نيويورك التايمز الأمريكية تسير فى الآونة الأخيرة فى هذا الاتجاه، حتى أن الجارديان دشنت منذ أكثر من عام سلسلة من الموضوعات أطلقت عليها «نصف الكوب الممتلئ: حلول وابتكارات وإجابات«، كما قامت ليبراسيون بتخصيص أعداد متميزة على مدار العام لمثل هذا النوع من الموضوعات أسمته « حلول ليبيه« فزادت مبيعاتها بنسبة 22% عن الأعداد التقليدية، أما النيويورك تايمز فقد أثبتت دراسة تحليلية شملت سبعة آلاف موضوع نشر بها أن الإقبال كان أكبر بكثير على المواد التى تنتمى لصحافةــ الحلول، وذلك من خلال حصر المشاركات على البريد الإلكترونى أو شبكات التواصل الاجتماعى.

ينبرى البعض فى تفسير هذه الظاهرة بوصفها ضمن محاولات إعادة كسب ثقة القارئ وتحفيزه بعد أن انصرف عن الصحافة التقليدية، وسأم العاملين بها والتصاقهم بدوائر السياسة والمال، فلم يعد يصدقهم. فى حين يرجع البعض أصولها لتأثير الشركات المتعددة الجنسيات التى استخدمت الإعلام كأداة لبث أخبارها وإنجازاتها، وبالتالى كان من مصلحتها الترويج لهذه النوعية من الصحافة لإبراز هذا المشروع «الإيجابي« أو ذاك. وذهبت تحليلات آخرين إلى القول بأن انتشار شبكات التواصل الاجتماعى وسرعة تداول المعلومات أحدثا تغيرا فى الذوق العام، فلم يعد الناس يفضلون أخبار الحرب والإرهاب كما كانت تظهر الاستبيانات فى العام 2007، فبعد عشر سنوات صارت الأنباء الإيجابية والطريفة هى الأكثر ذيوعا ومشاركة. صحيح أن الأخبار السلبية تدفع بالناس إلى الشعور بالعجز والقلق والخوف والتقوقع، وبالتالى إلى رغبة فى الانفصال عن الواقع، لكن أهذا هو دور الصحافة؟ أتساءل كما يتساءل العديد من المتخصصين، وأرى مثلهم أن حصر الصحفى فى موضوعات إيجابية ووضع حلول للمشكلات يجعله يخرج عن دوره الحيادى، فيصير منخرطا فى قضية أو متبنيا لوجهة نظر، ويتحول بشكل أو بآخر إلى ناشط أو مندوب علاقات عامة، حسب الأحوال. لم يعد سلطة رابعة أو مراقب يقف على المسافة نفسها من جميع الأطراف، بل صار من أنصار هذه القضية أو تلك، ويريد أن يضرب الأمثال ويعطى حلول ويحفز المواطنين ويرفع مبيعات الجريدة، من خلال إقصاء ما هو سلبى والتركيز فقط على الإيجابى.

***

يوتوبيا خادعة، صحافة تقف فى الوسط بين الجد والتسلية، لكنها مطلوبة وفقا لما يحاول البعض إثباته، وهو أمر واجب دراسته، فبالطبع مطلوب إعادة تخيل المحتوى الصحفى على ضوء التغيرات التقنية والفكرية، وبالطبع سأم الناس الاحتيال والمزايدة ومتابعة عدد الضحايا والأموات الذين يسقطون كل يوم، لكن هذا لا يعنى أن نكف عن الكتابة عن اللاجئين لأن قصصهم حزينة وليس لها حل، بل يجب أن نفتح النقاش حول مسارات الصحافة وطرق تكيفها وأشكالها الجديدة وما يفعله بها المتلقى وما تفعله به.

نقلا عن الشروق القاهريه

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصنع الأخبار الحلوة مصنع الأخبار الحلوة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon