توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

معارض إنعاش الذاكرة

  مصر اليوم -

معارض إنعاش الذاكرة

بقلم - داليا شمس

من خلال حدثين هامين يتم سرد قصة قناة السويس كاملة، بأسلوب الفلاش باك السينمائي، وهما لحظات الافتتاح في عهد الخديوي إسماعيل وخطاب التأميم لعبد الناصر، إذ يقدم معرض "ملحمة قناة السويس" الذي ينظمه معهد العالم العربي بباريس، من 28 مارس إلى 5 أغسطس من العام الجاري، رواية مشتركة مصرية- فرنسية لتاريخ القناة منذ حفرها على يد الفرعون سنوسرت الثالث إلى يومنا هذا وأعمال التوسيع والمنطقة الحرة.

يحاول المعرض أن يعيد تفاصيل ما حدث بدقة بواسطة بانوراما متحركة جميلة يبحر خلالها الزائر في القناة كما لو كنا في عشرينات القرن الماضي، عندما كانت تتطلع مصر إلى الاستقلال غداة الحرب العالمية الأولى. كما يمكنه متابعة مسار القناة عبر الصحراء واكتشاف العديد من المجسمات والنماذج المصغرة للآلات والمراكب التي تم استخدامها أو الرسوم المطبوعة والصور والملصقات الإعلانية والبطاقات البريدية والأفلام والكتابات والوثائق والشهادات الحية لبعض من عاصروا الأحداث والرسائل المتبادلة ما بين فرديناند ديليسبس، رئيس الشركة العالمية لقناة السويس البحرية، وصديقه الأمير عبد القادر الجزائري، الذي كان له دورا محوريا في تسوية الخلافات بين الخديوي وممثل الشركة الفرنسية.

نحن إذاً بصدد عمليات النسيان والتأويل والتبديل التي تصيب عادة الذاكرة الجماعية، خاصة في مثل تلك الأجواء التي لازمت تاريخ القناة، في أزمنة الحروب والتجسس والمؤامرات الدولية والمنافسة الشرسة على طرق التجارة والمصالح. وذلك لأن الذاكرة تعيش داخل لحظة تأويل مستمرة، كل مرجع أدبي أو لوحة فنية يكون لها أوجه تأويل سياسي أو قد تحمل وجهات نظر مختلفة يتداخل فيها الذاتي والموضوعي. وهنا يأتي دور الخبرة الفرنسية فيما يتعلق بتنظيم مثل هذه المعارض الدولية وتفعيل آليات الدبلوماسية الثقافية التي طالما برعت فيها باريس، فمن خلال تظاهرة فنية وتراثية تحتفي بمرور 150 عاما على إنشاء القناة، يتم تأكيد أواصر الصداقة بين البلدين وتعزيز العلاقات من ناحية، ويتم التغلب على بعض الآثار الأليمة لماض قد ولى ومراجعة الذات.

***

العديد من القطع والوثائق المعروضة هي من مقتنيات المتاحف المصرية، بالإضافة بالطبع إلى عناصر أخرى كثيرة من فرنسا وربما دول أخرى، كما أن هناك فريق مشترك للعمل والبحث، لكن يبرع الجانب الفرنسي في تجميع كل ذلك وتوثيقه بشكل مهني يصيب الهدف، بل وعلى هامش الحدث الرئيسي يقام برنامج ثقافي متكامل على مدار ثلاثة أشهر أو أكثر، يشمل الموسيقى (حفلات لحازم شاهين ودنيا مسعود وحفلة تعيد استخدام الآلات التي تحدث عنها أندريه فيلوتو في كتاب وصف مصر بالاشتراك مع عازفين مصريين وفرنسيين) والسينما والقصص المصورة ولقاءات مع كتاب من أصل مصري مثل روبير سوليه وخالد عثمان وباولا جاك ومع دبلوماسيين، إلى ما غير ذلك.

مسؤولو معهد العالم العربي يعرفون جيدا كيفية التصدي لتلك النوعية من المعارض، مثل "مسيحيو الشرق" و"أوزيريس وأسرار مصر الغارقة" و"قطار الشرق السريع"، كما أن فرنسا دائما ما وضعت الدبلوماسية الثقافية في قلب سياستها الخارجية، ومكنها ذلك أحيانا كثيرة من رأب صدع العلاقات في الزمن الصعب، وهو ما أظن أن علينا اكتساب بعض الخبرات فيه، خاصة أن لدينا في مصر نحن أيضا العديد من المكونات والثروات الثقافية التي تجعلنا في موضع وحدنا، سواء بالنسبة للعالم العربي أو على الصعيد الدولي.

***

هناك أوجه شبه بين البلدين المؤثرين، رغم التراجع والأزمات والتغيرات، مع الفارق أننا في مصر لا نجيد استخدام أدوات الدبلوماسية الثقافية كما فرنسا، فهذه الأخيرة اعتادت تنظيم الأنشطة الثقافية وخاصة المعارض الدولية لخدمة سياساتها منذ الحرب العالمية الأولى. وفي خلال فترة ما بين الحربين، أنشأت عام 1922 الجمعية الفرنسية للتوسع والتبادل الثقافي، ثم غيرت الاسم عام 1934 ربما لتنفي عنها شبهة "التوسع" فصارت الجمعية الفرنسية للنشاط الفني، بدعم مالي من وزارتي الخارجية والتعليم العام، وبالتعاون مع عدد من الرعاة ورجال المال والأعمال. ولم تقلص أبدا ميزانية الدبلوماسية الثقافية في ظل أزماتها الاقتصادية المرهونة بالوضع السياسي، بل كانت تعتبرها أحد مواضع قوتها، وعلى هذا لم تحاول قط الدفع "بالفن الرسمي" وممثليه إلى الصفوف الأولى، بل حرصت على تقديم نماذج مختلفة ومتنوعة من المبدعين الذين لا يتوافقون بالضرورة مع وجهة النظر الرسمية، فالمهم هو الدور الذي يمكنهم القيام به أو مدى تأثيرهم.

دروس مختلفة يجب علينا التماسها عند المشاركة في مثل هذه التظاهرات لنتعلم كيف نصنع الحدث وكيف يمكن لتفاصيل صغيرة وشهادات ووثائق ولوحات أن تجعل العالم يعيد قراءة الواقع والتاريخ، و ينظر لهما بطريقة مغايرة، بعيدا عن تصفية الحسابات وسموم السياسة، فالثقافة كفيلة أحيانا بأن تداوي الجراح وأن تذكر بمدن ومناطق على حافة الخطر والتمزق.


نقلا عن الشروق القاهرية

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معارض إنعاش الذاكرة معارض إنعاش الذاكرة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon