توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حتى ينجح نظام التعليم الجديد

  مصر اليوم -

حتى ينجح نظام التعليم الجديد

بقلم - عـــلاء ثابت

 أثار النظام الجديد لتطوير المنظومة التعليمية الذى طرحه وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقى جدلا كبيرا بين المتخصصين، كما أثار أسئلة وتخوفات كثيرة من الأسر المصرية. ولأن التعليم يمثل ولا شك قضية أمن قومى بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولأن التعليم يحتل مكانة متقدمة فى أجندة أولويات أى أسرة مصرية، إذ لا توجد أسرة ليس فيها أكثر من طالب فى مراحل تعليمية مختلفة، فإن قضية تطوير التعليم تحتل صدارة اهتمامات الدولة، وكثيرا ما طُرِحت أفكار للتعامل مع تراجع مستوى التعليم، لكنها ظلت مجرد دراسات ومشروعات «على الورق» ولم ينفذ منها إلا القليل جدا، ومن ثم كان حجم الإنجاز فى ذلك الملف متواضعا. وهو ما يجعلنا وكل أسرة مصرية نتساءل متى وكيف يكون لدينا تعليم حقيقى قادر على ضمان مستقبل أفضل لأبنائنا، وبناء دولة عصرية قادرة على المنافسة فى ظل التحديات العلمية والتكنولوجية الراهنة؟ وما هى ضمانات نجاح النظام المقترح لتطوير التعليم الذى وافق مجلس الوزراء على بدء تنفيذه فى سبتمبر المقبل؟

وفى الحقيقة، فإن ما يضمن تحقيق نتيجة فعلية على أرض الواقع هو أن يكون التطوير نابعا من معرفة دقيقة بواقع ومفردات العملية التعليمية، وضمان الحماس لوضعه موضع التطبيق، حتى يؤتى ثماره المرجوة، ولا يكون مصيره كالمشروعات والأفكار السابقة. وهو ما يتطلب إشراك كل أطراف العملية التعليمية فى مناقشة مختلف جوانب النظام الجديد، وتحديد العقبات المتوقعة، وكيفية التغلب عليها، وفى مقدمتها ظاهرة الدروس الخصوصية التى يعنى انتشارها أن العملية التعليمية لم تعد محل ثقة الآباء، فبحثوا عن طرق موازية لتعليم أبنائهم، ويتكبدون تكاليف هائلة.

وقد رصد مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء أن نحو 84% من أبنائنا يعتمدون على الدروس الخصوصية، التى تتكلف أكثر من 50 مليار جنيه سنويا، بينما موازنة وزارة التربية والتعليم تبلغ نحو 106.5 مليار جنيه، مقابل نحو 104 مليارات فى السنة المالية الأخيرة، وهو ما يعنى أن الزيادة فى موازنة التعليم لا تتجاوز 2,5% وهى زيادة ضئيلة للغاية، خاصة مع الأخذ فى الاعتبار معدل التضخم وتراجع قيمة الجنيه المصري، بما يعنى أن أثر تلك الزيادة يكاد يكون معدوما. وهنا نكون أمام معضلة علينا أن نحلها، لأنه من الصعب فى ظل تلك المخصصات للتعليم أن نحقق تقدما، وأن نرفع رواتب المعلمين وجميع العاملين فى الوزارة، حتى يمكن الحد من الدروس الخصوصية من ناحية، والارتقاء بالمستوى المهنى للمعلمين، وإجبارهم على التوقف عن الاعتماد على الدروس الخصوصية.

لا يمكن اللجوء إلى أسلوب العقاب وحده لمنع ظاهرة الدروس الخصوصية، وأن ننتظر من المعلمين الارتقاء بالتعليم فى ظل هذه المعادلة الصعبة، وستكون النتيجة المزيد من التراخى والاحتجاج السلبي، ولهذا فإننا يجب أن نفكر خارج الصندوق، وأن نقنع أولياء الأمور بضرورة المساهمة فى زيادة موازنة التعليم بدلا من اعتمادهم على الدروس الخصوصية، سواء برفع الرسوم المدرسية، أو المساهمة الطوعية، لكن ذلك يتطلب حوارا مجتمعيا، يجمع بين ممثلين لأولياء الأمور والمعلمين وغيرهم من الأطراف، لوضع حلول للعقبات التى ستواجه تطبيق نظام التعليم الجديد. قبل أن نفاجأ بأن ذلك النظام جيد نظريا أو على الورق, لكن من الصعب أن يحقق المرجو منه، حتى لو اعتمد على تقنيات جديدة واهتم بالمهارات. وبكل تأكيد فإن نجاح النظام الجديد لا يمكن أن يحدث دونما تحمس كل أطراف العملية التعليمية واقتناعهم بالنظام ومساهمته فى إحداث تطوير فعلى فى التعليم، ودونما العمل على استعادة ثقة أولياء الأمور والطلاب بالمدرسة والمعلمين.

إننى أقدر الجهد الذى بذله الدكتور طارق شوقى وأرى أن النظام الجديد المقترح لتطوير التعليم به الكثير من الإيجابيات، لكن الاختبار الحقيقى لأى تصور نظرى هو قابليته للتنفيذ، ولهذا أتمنى أن يبذل السيد الوزير المزيد من الجهد فى مناقشة واستطلاع جدى لآراء أطراف العملية التعليمية، خاصة الطلاب وأولياء أمورهم والمعلمين، وألا يضيق بآراء قد ترى ثغرة هنا أو هناك، بل عليه أن يبحث عن المعوقات المتوقعة أكثر من البحث والإشادة بما فيها من إيجابيات، لأن أمامنا أشهرا قليلة ويدخل النظام الجديد حقل التطبيق الفعلى.

لا أتمنى أن تتكرر تجربة المدارس اليابانية وما واجهها من مشكلات، والاضطراب الذى حدث بسبب مشكلات كان يمكن تجاوزها والتغلب عليها مبكرا، فقد أساءت كثيرا لوزارة التربية والتعليم وأهدرت الكثير من الوقت، وضيعت علينا فوائد كثيرة كنا فى حاجة إلى استثمارها، وليس من اللائق، فى مثل ظروفنا الاقتصادية الصعبة وطموحاتنا الكبيرة فى نهضة سريعة وشاملة، أن نهدر أى فرصة واستفادة من أجل بناء مستقبلنا بالتعليم الجيد والمرتبط بالحياة وسوق العمل، وأن نكرس حب التعليم والعمل والانتماء فى نفوس أبنائنا. وليس لدينا ترف أن تحدث أخطاء دون أن ندرسها جيدا، وأن نعاقب المخطئ والمهمل، وهذه التجربة يجب أن تكون ماثلة فى الأذهان، وأن نحث وزارة التعليم على الدراسة المتأنية للبيئة التعليمية، فلا جدوى من أى جهد نظرى إلا إذا أخذ فى الحسبان البيئة التى يتم تنفيذه فيها، ولهذا فلابد من المشاركة الشعبية الواسعة، وإقامة أكثر من منتدى، وسماع رأى خبراء التعليم، ومعرفة ما واجههم من صعوبات فى التطبيق، فما أكثر الدراسات المقدمة بشأن تطوير التعليم، وما أقل ما حققناه من تقدم، ولهذا يجب أن يقتنع السيد الوزير بل ويرحب بالنقد أو أى اكتشاف لثغرات أو التنبيه لمعوقات متوقعة، فهذا شىء إيجابى وضرورى، وليس انتقاصا أو إساءة للنظام المقرر تطبيقه، وأن يجد سبيلا أفضل من التلويح بالعقوبات لكسب حماس المعلمين لتطبيق ذلك النظام، فبدونهم لا يمكن تحقيق أى نجاح مهما بلغت عبقرية المقترحات النظرية، فلا يكفى القول إن مثل هذه الأفكار حققت نجاحا فى بلد ما، لأن لكل بيئة سماتها وعيوبها ومزاياها وخبراتها، ولهذا أتمنى من الدكتور المهندس طارق شوقى أن يأخذ بعين الاعتبار هذه الآراء، فليس بالتقنيات الجديدة وحدها يتحقق التطوير، وإنما باقتناع وتحمس العنصر البشرى الذى يجب أن يكون شريكا حقيقيا، باعتباره المسئول الأول عن النجاح فى أهم قضية تمس أمن ومستقبل مصر.

وبعد، فبما أننا أمام تفكير جدى فى تطوير التعليم فى مصر، أرى أنه من المفيد أن نعيد طرح مشكلة أخرى من مشاكل التعليم فى مصر، ألا وهى مشكلة تعدد النظم التعليمية ما بين تعليم عام وتعليم دينى ومدارس حكومية ومدارس رسمية (تجريبية) ومدارس خاصة مصرية ومدارس دولية.

ومع أننى أعرف أن المدارس الدولية لا علاقة لها بالنظام الجديد لتطوير التعليم، باعتبارها تمنح شهادات دولية، ولكن من الضرورى أن تعمل الحكومة على وضع نظام محدد لجهات الاعتماد الدولية، خاصة تلك التى تعتمد الدبلوم الأمريكى، وعدم تركها لجهة اعتماد ليست ضمن منظمات الاعتماد الأمريكية الأساسية والعريقة، مثل، المنظمة التى تعتمد الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ومنظمة الولايات الوسطى للجامعات والمدارس MSA، ومنظمة نيو إنجلاند للمدارس والجامعات NEASC، ومنظمة الولايات الغربية للمدارس والجامعات WASC، وغيرها من منظمات الاعتماد البارزة فى الولايات المتحدة الأمريكية، فمصر تستحق أن تتعاون مع أهم منظمات الاعتماد، بدلا من الإصرار على الجهة الحالية، وهى مجرد شركة خاصة. الأمر الذى من شأنه أن يضع علامات استفهام كثيرة أمام الدكتور طارق شوقى وزير التعليم، خاصة أن الوزارة سترسل خلال أيام وفدا للولايات المتحدة الأمريكية لتجديد الاعتماد!

 

نقلا عن الاهرام القاهرية

 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حتى ينجح نظام التعليم الجديد حتى ينجح نظام التعليم الجديد



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon