توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الخيارات الصعبة

  مصر اليوم -

الخيارات الصعبة

بقلم : عـــلاء ثابت

 تطرقت كلمات الرئيس، خلال مؤتمر الشباب أمس الأول، إلى عدد من القضايا والمفاهيم الجوهرية، تنبع من تشخيص دقيق لمواطن الضعف وكيفية التغلب عليها، ورؤية شاملة للإصلاح على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فقد تناول الرئيس مفهوم العلاقة بين المواطن والدولة، وتصدى للفكرة السطحية الشائعة والمغلوطة عن هذه العلاقة، فالبعض يدعو إلى أن تواصل الدولة تحمل الأعباء، بدعوى رفع المعاناة عن كاهل الطبقات الوسطى والفقيرة، وهذه النظرة القصيرة المدى تداعب المشاعر، لكنها خطيرة على كيان الدولة، ويمكن أن تؤدى إلى انهيار أعمدتها، تحت وطأة أحمال ثقيلة ظلت الحكومات المتعاقبة تلقى عليها بالمشكلات حتى أصابها الوهن والهزال، ولم تعد قادرة على العطاء. فالدولة تعتمد على مجموع إنتاج مواطنيها، وعندما تتدنى الإنتاجية لا يمكن تحميل الدولة هذا الدور طويلا، لأنها تضطر إلى الاستدانة، وتراكم الديون يجعلها تنوء بالأحمال، وتظل الدولة توسع إعالتها لقطاعات أوسع فأوسع، وتدعم الكثير من العاملين والموظفين بطرق مختلفة، وتحت ضغط كسب الرضا الشعبى تم إلقاء كل هذا العبء على كاهل الدولة، وأصبحت تحتاج إلى من ينقذها بدلا من أن تواصل دورها فى تنمية قدرات مواطنيها وزيادة معدلات النمو، وسد الثغرات فى العملية الإنتاجية والخدمية التى لا يقبل القطاع الخاص الدخول فيها، إما بسبب تدنى الأرباح فيها أو الحاجة إلى رءوس أموال كبيرة لا تدر عائدا إلا بعد فترات طويلة، أو لأنها لا تدر أى نوع من الأرباح وتعرض المستثمر لخطر فقدان أمواله.

هذا الدور الضرورى للدولة هو ما يسعى إليه الرئيس، ويركز على ضرورة أن يتجاوز حجم إنتاجنا ما نستهلكه، لكى يكون لدينا فائض يمكن أن نستثمره فى تطوير جميع القطاعات وتلبية الاحتياجات المتزايدة. أما عندما يفوق الاستهلاك ما ننتجه، فإننا نلجأ إلى مد أيدينا للاقتراض، وليتنا نقترض لكى نرفع من قدراتنا على الإنتاج، بل كنا نقترض من أجل أن نسد الثغرة بين ما ننتجه وما نستهلكه، وبالتالى تتراكم الديون وتزيد أعباؤها، وهو ما حدث طوال العقود الخمسة الماضية.

لقد أشار الرئيس بوضوح إلى الفرق بين مفهوم الدولة الراعية، التى تستهدف توجيه الطاقات، وتحسين القدرات، ومفهوم الدولة المعيلة، التى تتحمل أعباء متزايدة ترسخ مفهوم الاتكالية، وانتقد الرئيس بعض من يدغدغون المشاعر على حساب المستقبل، وقال بكل صراحة «عايزين البلد تقوم وتكون ذات شأن ولا لأ؟.. البلد اللى ذات شأن لازم نضحى ونتعذب عشانها، مش الهدف التعذيب، لكن لازم نتعذب.. ليه؟.. لأن هو دا التحدى»، هكذا يضع الرئيس النقاط فوق الحروف، ويواجهنا بالحقيقة مهما تكن مؤلمة وصعبة، فهو لا يتهرب من المسئولية ولا يراوغ أو يكتفى بوعود براقة، فالدولة تحتاج منا إلى مجهود شاق، لكى تقوم من عثرتها، هكذا بنت الأمم حضاراتها وأمجادها ونهضتها، وأمامنا نماذج الدول الآسيوية التى نهضت من خلال الإنتاجية وتخفيض الاستهلاك، أما الدول التى لم تواجه حقيقة مشكلاتها وتقدم التضحيات من أجل تجاوز محنتها فقد تراجعت مكانتها وزاد أمد معاناة شعوبها.

قدم الرئيس نموذجا واضحا لمثل هذه الخيارات، عندما تطرق إلى قرار رفع سعر تذاكر مترو الأنفاق، وقال إن وزير النقل طلب 30 مليارا لصيانة خط حلوان – المرج، وإذا أجلنا القرار فسيتوقف المترو عن العمل، فهل نستدين لإصلاحه، أم نتحمل كلفة الإصلاح، هذا هو الفرق بين العلاج بالمسكنات التى لا تقترب من مكمن المرض، وبين الجراحة المؤلمة التى تستأصل المرض، ولم يعد أمامنا وقت نضيعه فى اللغو والمناورة، وعلينا اتخاذ القرار وتحمل تبعاته، فالدولة متعبة والمرافق مهددة، والشركات والمصانع يمكن أن تغلق أبوابها فتزداد البطالة، وتستفحل الأزمة.

ولا يتوقف الإصلاح الذى ينشده الرئيس على الجانب الاقتصادى فقط، فقد تناول الإصلاح السياسى، وتوسيع المشاركة السياسية بخطوات جادة ومتأنية، من خلال أحزاب تعرف كيف تفيد بلدها وشعبها، بعيدا عن المزايدات الرخيصة التى لا يمكن أن نجنى من ورائها إلا التخبط والفوضى، وفى هذا المجال قال الرئيس «الحياة السياسية تهدف إلى وجود كيانات قادرة على الدفع بالدولة للأمام، هدفها أن تكون الدولة كبيرة وقوية، أنا شايف هناك أحزاب حاليا فى البرلمان»، ثم أشار إلى أهمية مواجهة الفساد وتجهيز كوادر قادرة على قيادة الدولة ومواجهة التحديات الخطيرة والكثيرة المحيطة بنا.

هذا هو تشخيص الرئيس لجوهر الأزمات التى نعيشها وكيفية مواجهتها.

نقلا عن الأهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخيارات الصعبة الخيارات الصعبة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon