توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العدو الأول

  مصر اليوم -

العدو الأول

بقلم : عثمان ميرغني

 إذا عرفنا أن الفساد يكلف العالم سنوياً نحو 2.6 تريليون دولار يذهب منها تريليون دولار للرشاوى، حسب تقارير وتقديرات البنك الدولي، فسنفهم الاهتمام الذي تلقاه الحروب التي تشن على الفساد في عدد من الدول حول العالم. فتكلفة الفساد ليست مادية فحسب، وإنما اجتماعية وسياسية واقتصادية أيضاً، وتصل إلى حد اعتباره مهدداً للأمن القومي وللاستقرار والسلم الاجتماعي.

كثير من الدول التي شهدت اضطرابات سياسية خصوصاً في العالم النامي، كان للفساد دور في الأمر، خصوصاً مع انتشار مشاعر الغبن. وأحداث الربيع العربي ليست بعيدة عن الأذهان، إذ إنه ضمن العوامل المتعددة وراء إشعال فتيل الغضب كان موضوع الفساد حاضراً في تعبئة الناس.

الفساد بالتأكيد ليس ظاهرة متعلقة بالدول النامية، إذ تعاني منه بدرجات متفاوتة معظم دول العالم. وهذا يعود إلى أن الفساد يعرف بأنه استغلال المنصب أو الموقع لأغراض المنفعة الشخصية، ويشمل ذلك الرشوة والاختلاس والمحسوبية والتلاعب بالعقود والمناقصات وغسل الأموال. فقد أشار تقرير منظمة الشفافية العالمية للعام الماضي إلى أن ثلثي دول العالم أحرزت أقل من نسبة 50 في المائة في سلم الشفافية وتدني الفساد.

فبينما كانت أفضل الدول هي دول مثل نيوزيلندا والدنمارك وفنلندا والنرويج وسويسرا، حلت دول مثل سوريا وليبيا والسودان والعراق واليمن والصومال وأفغانستان ودولة جنوب السودان في ذيل القائمة، مما يعني أن الدول التي تعاني من عدم الاستقرار والحروب تكون أكثر عرضة للفساد الذي يجد بيئة صالحة للانتشار. لكن هذا ليس معياراً ثابتاً لأن هناك دولاً مستقرة مثل كوريا الجنوبية تعاني من هذه الآفة، إذ حوكم فيها بتهم الفساد عدد من كبار المسؤولين بينهم خمسة رؤساء سابقين، آخرهم السيدة بارك غيون هاي التي بدأت يوم الجمعة الماضي حكماً بالسجن لمدة 24 عاماً، مع تغريمها ما يعادل 17 مليون دولار بعد إدانتها باستغلال النفوذ والرشوة، وهي الاتهامات التي كانت قد تسببت في الإطاحة بها من منصب الرئاسة العام الماضي.

وفي الوقت ذاته تقريباً تناقلت وسائل الإعلام خبر اقتياد الرئيس البرازيلي السابق لويز إيناسيو لولا دا سيلفا إلى السجن بعد رفض المحكمة استئنافه، وقرارها بتنفيذ الحكم الصادر ضده بالسجن 12 عاماً، علماً بأن القضية تثير انقساماً واسعاً في البرازيل، حيث كان دا سيلفا متقدماً في استطلاعات الرأي ومرشحاً للفوز في الانتخابات المقررة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

جهات الاختصاص تحدد أبرز مخاطر الفساد في أنه يعد معرقلاً خطيراً لجهود التنمية وتبديد موارد تذهب إلى غير وجهتها الصحيحة، وتضيع بسببه أموال طائلة تذهب إلى جيوب المنتفعين بدلاً من توجيهها في خدمة البلد ومصالح الناس، كما أنه يقضي على روح المنافسة النزيهة ويشجع على الرشوة، وبسببه تضيع المعايير الصحيحة في إرساء العطاءات، واختيار الكفاءات مما ينشر الإحساس بالغبن وعدم العدالة. الأخطر من ذلك أنه يردع المستثمرين الخارجيين الذين يتخوفون من ضياع الأموال وتبديد الجهود، كما يجعل بعض الدول المانحة تتردد في تقديم الدعم لبعض الدول لإدراكها أن الأموال أو قسماً كبيراً منها يذهب لجيوب النافذين، بدلاً من المشروعات التي من أجلها خصصت المساعدات. وفي هذا الصدد أشارت دراسة لصندوق النقد الدولي إلى أن معدلات الاستثمار الخارجي في الدول التي تعاني من الفساد تكون أقل بنسبة 5 في المائة مقارنة بالدول الأقل فساداً.

أفريقيا دفعت ثمناً باهظاً في هذا المجال الذي عرض ثرواتها للنهب، وعصف باستقرارها السياسي ردحاً طويلاً من الزمن. واستناداً إلى الاتحاد الأفريقي، فإن الفساد يكلف دول القارة ما لا يقل عن 148 مليار دولار سنوياً كان يمكن أن تذهب لمشروعات التنمية أو لتحسين خدمات ضرورية يحتاج إليها الناس. كذلك قدرت منظمة الشفافية العالمية أن هناك نحو 75 مليون مواطن في أفريقيا على سبيل المثال يضطرون لدفع رشاوى إما لتسيير أعمالهم وقضاء حوائجهم في المؤسسات الرسمية، أو لتفادي غرامات وعقوبات يفرضها عليهم شرطي أو محصل جمارك.

هناك جهود جادة مقدرة تبذل في كثير من الدول لمواجهة الفساد، وهي جهود تستحق المؤازرة. فالخطوة الأولى تبدأ من توفر الإرادة السياسية القوية والقادرة على مواجهة أصحاب المصالح والمنتفعين الذين عادة ما يكونون أقوياء، وبينهم من هو في مواقع نفوذ. هذه الإرادة السياسية هي التي توفر الغطاء والحافز لعمل هيئات مكافحة الفساد الرسمية، ولتنفيذ القرارات التي تصدر في هذا الشأن. هناك أيضاً دور للمؤسسات سواء التنفيذية أو التشريعية، وأيضاً للإعلام في المراقبة والمساءلة، إذا كان لجهود مكافحة الفساد أن تتكامل. فالحكومات قد تصدر القرارات وتحدد إجراءات الرقابة والإصلاحات المالية، وقنوات مكافحة غسل الأموال، وغيرها من الخطوات المطلوبة، لكنها تبقى في حاجة إلى دور المؤسسات الأخرى التي عليها واجب الرقابة لضمان التنفيذ والمساءلة.

الفساد عدو لا يمكن الاستهانة به، ومحاربته ليست واجباً أخلاقياً فحسب، بل ضرورة اقتصادية وسياسية واجتماعية... وأمنية.

نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العدو الأول العدو الأول



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon