توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ترامب يخرب وفرنسا تستفيد

  مصر اليوم -

ترامب يخرب وفرنسا تستفيد

بقلم - جميل مطر

أتصور أنه لو استمر الرئيس دونالد ترامب فى منصبه سبع سنوات أخرى أو حتى ثلاثة فسوف يسجل له التاريخ أنه الرئيس الذى يستحق بجدارة صفة المخرب الأعظم فى النظام الدولى. لقد أثار الرجل فى سنة واحدة قضاها فى البيت الأبيض اضطرابا  ملموسا فى العلاقات الدولية، ودفع العديد من الدول إلى إعادة تقييم سياساتها الخارجية، وشجعها على تجاوز حدود وقواعد عمل كانت مألوفة وتبنى أفكارا عنصرية وتخلى عن قيم وأخلاقيات كانت معهودة.

***

سمعت من يتحدث عن ألغاز فى العلاقات الراهنة بين أمريكا ودول أخرى لم يفلح الكثيرون فى حلها أو فهمها. من هذه الألغاز لغز العلاقة الطيبة التى قامت بين الرئيس ترامب وكل من الرؤساء فلاديمير بوتين وإيمانويل ماكرون وعبدالفتاح السيسى. منها أيضا لغز العلاقة غير الطيبة التى قامت بينه وكل من السيدة تيريزا ماى والسيدة آنجيلا ميركيل والرئيس الصينى شى جينبنج.
أقرأ الآن عن ظواهر فى البيت الأبيض تحدث لأول مرة وأغلبها يكاد يكون فى حكم الألغاز بسبب صعوبة فهمه أو تفسيره أو تبريره. منها على سبيل المثال وجود أشخاص فى مناصب حساسة وأشخاص يتعاملون مع وثائق ومعلومات خطيرة لم يحصل أكثرهم على ترخيص أمنى مناسب. وجود شخص فى البيت الأبيض بهذه الصفة والمسئولية يعمل بدون موافقة من أجهزة الأمن الداخلى كان يمكن فى عهود سابقة أن يتسبب فى أزمة للرئيس. منها، أقصد من الظواهر الجديدة فى البيت الأبيض والمتصلة اتصالا وثيقا بعمليات صنع السياسة الخارجية ظاهرة رئيس الدولة الذى يستخدم تغريداته الصباحية لإبداء رأيه فى رئيس دولة أخرى أو سياساته. كثير من المعلقين ومتابعى عمل الرئاسة وصفوا هذه العادة بأنها انفلات وفى النهاية تخريب لسمعة أمريكا وقيمة قراراتها. يرتبط بهذه الظاهرة ظاهرة وجود عدد لا بأس به من «الجنرالات العظام» فى البيت الأبيض.. قيل إنهم يقومون بدور «المنظم» فى الآلة الرئاسية، يصححون تجاوزات الرئيس الضارة بأمن أمريكا ودفاعاتها. على كل حال يبقى وجودهم واستمرارهم وحجم نفوذهم الحقيقى ومستقبلهم موضع تخمينات.

***

الحديث عن الألغاز فى علاقات الرئيس برؤساء أجانب وعن ظواهر غير مألوفة فى عمل البيت الأبيض ليس ترفا على هامش تحليل السياسة الخارجية الأمريكية أو التعليق عليها. أتصور أنه لم يعد ممكنا وربما غير جائز دراسة حال علاقة بين أمريكا ودولة أخرى بدون الأخذ فى الاعتبار تأثير بعض هذه الألغاز والظواهر. نأخذ العلاقة الأمريكية الفرنسية الراهنة ونحاول تتبع الدور الذى يلعبه البيت الأبيض بكل مؤثراته وظواهره الجديدة على هذه العلاقة. نلاحظ من خلال المتابعة أولا: أن الرئيس ماكرون استطاع بمهارة فائقة الاستفادة لفرنسا ولأوروبا أيضا من وجود ترامب فى البيت الأبيض. جاء ترامب إلى البيت الأبيض رافعا شعار عدم التدخل المكلف ماديا فى أى شأن من شئون أوروبا أو غيرها. جاء فى واقع الأمر مكملا لمسيرة بدأها الرئيس السابق باراك أوباما، كلاهما أفسح المجال لقيادة جديدة فى أوروبا تملأ الفراغ الذى خلفه الانسحاب الأمريكى. بهذا المعنى كان ترامب الزاهد فى القيادة الدولية فرصة لا تعوض لماكرون.

لا شك أنه كان من حسن حظ الرئيس الفرنسى أن بريطانيا خرجت من أوروبا تاركة مقعد قيادة شديد الأهمية. خروج بريطانيا يعنى فى الوقت نفسه إخلاء الساحة الأوروبية من معارض قوى لفكرة الوحدة الأوروبية ومنافس تقليدى للنفوذ الفرنسى. من حسن حظه أيضا انشغال السيدة آنجيلا ميركيل عن مسئولياتها القيادية فى الاتحاد الأوروبى بانتخابات برلمانية شديدة التعقيد. فرصة لا تعوض حانت لماكرون لينفذ فكرة استقلال الكيان الأوروبى كقوة سياسية عالمية، كانت حلما للجنرال ديجول ليتخلص بها من الهيمنة الأمريكية.

يريد ماكرون إقامة قوة دفاع أوروبية مستندا الآن إلى دعم الرئيس ترامب الذى لا يكف عن مطالبة أوروبا بالمساهمة فى تحمل تكاليف الدفاع. نرى أمامنا الآن فرنسا تقود قوة دفاع من خمس دول تعمل فى إفريقيا. هذه القوة لا تخضع لبروكسل والبيروقراطية المتحكمة أو المقيدة لأفكار من هذا النوع. بدأت كمبادرة فرنسية للتدخل السريع متحررة من قواعد التصويت فى الاتحاد الأوروبى. أهداف المبادرة متعددة فإلى جانب أنها تسعى لإبراز مكانة لأوروبا ودورها الجديد فى الساحة العالمية، كانت المبادرة ولا تزال فرصة لبريطانيا لتشارك فى أنشطة أوروبية تختارها ولا تفرض عليها. أوروبا فى كل الأحوال لا تريد عزل بريطانيا أو تشجيعها للدخول فى منافسة مع الاتحاد الأوروبى فى إفريقيا والشرق الأوسط. كذلك فإن من بين أهداف مبادرة التدخل السريع العمل على وقف سيول هجرة الأفارقة إلى القارة الأوروبية.

***

بدون شك كبير نستطيع القول بأن الرئيس ماكرون نجح فى شهور قليلة فى نقل فرنسا إلى الصف الأول للدول القائدة فى العالم. لا نقول إنه نجح بجهد أو نفوذ الرئيس الأمريكى الجديد، ولكن بفضل إجادته فن انتهاز « الفرصة الترامباوية» فى اللحظة المعاصرة. لقد تسبب الرئيس ترامب بسياسات وتصرفاته غير العادية وغير التقليدية فى إفراغ السياسة الخارجية الأمريكية من أحد أهم عناصر قوتها، أقصد عنصر القوة الناعمة هذه القوة التى تقف على أربع:
أولها: الهجرة. باعتبار أمريكا فى الأساس دولة مهاجرين، ويريد ترامب تقييد هذا المفهوم بحيث ينطبق على شعوب معينة فى شمال أوروبا.
ثانيها: الحلم الأمريكى. لم يكن شعارا فحسب بل كان أملا للكثيرين فى شتى أنحاء العالم وشتى الثقافات والأديان. توقفت أمريكا الرسمية عن رفع هذا الشعار تحت ضغظ الأزمات الاقتصادية وغموض رؤى المستقبل. توقفت أيضا تحت ضغوط ترامب الكلامية والعنصرية.
ثالثها: قيم الحرية والعدالة واحترام حقوق الإنسان. هذه جميعها تعرضت للإهمال المتعمد من جانب ترامب وحكومته. انسحب من اتفاقية المناخ ودعم حكومات ترفض التزام حماية حريات الناس السياسية والفكرية. هو نفسه وقف إلى جانب البيض المتطرفين ضد السود وإلى جانب المتحرشين فى البيت الأبيض بالنساء، وأهان المرأة عامدا متعمدا فى أكثر من مناسبة، وشن حربا «وحشية» ضد الصحافة وغيرها من وسائط الاتصال والتعبير.
رابعها: الدبلوماسية الأمريكية. هذه الدبلوماسية أحببناها أو كرهناها كانت وراء أحداث وتطورات تاريخية، ليس أقلها شأنا إقامة نظام دولى عتيد على أنقاض نظام قضت عليه الحرب العالمية الثانية. ترامب لا يحبها وكرئيس لا يدعمها بل وتركها تتهاوى أمام دبلوماسيات العالم دون أن يحرك ساكنا.

**

يستطيع ماكرون أن يقدم نفسه للعالم الخارجى بالقائد السياسى الذى استفاد أكثر من غيره من وجود ترامب على رأس الدولة الأعظم فى العالم. الآن يتعين عليه أن ينتظر عودة آنجيلا ميركيل إلى مكان مخصص لها حتى وإن عادت مثخنة بجراح تسببت فيها الحملة الانتخابية. معا تستطيع ألمانيا وفرنسا التعويض عن بعض الفراغ الذى نتج عن انحدار أمريكا وسياسات ترامب. يستطيعان أيضا، وإن بصعوبة، اللحاق بالركب الروسى فى الشرق الأوسط وبالركب الصينى فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية.
لدى الرئيس إيمانويل ماكرون حلم: أن يستمر ترامب رئيسا أمريكيا لدورتين.


نقلا عن الشروق القاهريه

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترامب يخرب وفرنسا تستفيد ترامب يخرب وفرنسا تستفيد



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon