توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البحث عن الجنة فى زمن السوق

  مصر اليوم -

البحث عن الجنة فى زمن السوق

بقلم - محمد صابرين

 كل شيء يتغير بسرعة، وبات الكثيرون يشعرون بالغربة عن واقعهم، بل أزمنتهم، وحتى عوالمهم. وهذه أمور إنسانية، وأكثر الذين يشعرون بالغربة هم الكتاب، وآخرون شاء حظهم أن يهتموا بالشأن العام، وأن يهتموا بما هو أكبر من ذواتهم. إلا أن كثيرا من هؤلاء وأولئك لم يدركوا أن ما يقومون به قد «لامس أرواحا»، أو شكل حيزا ضئيلا من الوعي، أو الضمير. وأحيانا كثيرة يشعر الكاتب «باللا جدوى»، وفى أغلب الأحيان لا يتم الاحتفاء سوى بالموتى، ولحظتها لن تصل إليهم أى أخبار. والظاهرة تعيد اختراع نفسها هذه الأيام من خلال الكاتب أحمد خالد توفيق الذى رحل فجأة، الرجل الذى ودع الحياة فى مستشفى حكومي، ولم تسنح له الفرصة لنيل أى جائزة فى بلده وكرمته الشارقة، والآن اكتشفنا فجأة مع رحيله أحد أبطال الناس، وكاتبا لامست كتاباته أرواح وعقول أجيال شابة رأت فيه بطلها الذى قال كلماته ومضي. ولقد رثى الرجل نفسه قبل ساعات من وفاته: «وداعا أيها الغريب، كانت اقامتك قصيرة، لكنها كانت رائعة. عسى أن تجد جنتك التى فتشت عنها كثيرا.. وداعا أيها الغريب كانت زيارتك رقصة من رقصات الظل.. قطرة من قطرات الندى قبل شروق الشمس، لحنا سمعناه لثوان من الدغل ثم هززنا رءوسنا وقلنا اننا توهمناه.. وداعا أيها الغريب، لكن كل شئ ينتهي». وربما انتهت حياة كاتب، إلا أن الغربة والبحث عن الجنة لم ولن ينتهى سواء فى مصر أو عالمنا العربي، أو العالم بأسره. فالأمر الثابت الوحيد هو «التغير»، واننا نعيش زمنا يفاجئنا كل لحظة، بل ربما يمكن القول براحة ضمير «نحن نعيش فى أزمنة السوق، وتحكمنا قواعد السوق المتوحشة، وحيث كل شيء بثمن، وكل شيء للبيع، وحيث لا توجد أجوبة شافية، وحيث لا مجال لجواب واحد يعالج كل الناس، ويفسر كل الأشياء». والأهم خيار مرير: إما أن تنضم فى الصف، وتلعب وفقا لقواعد اللعبة، أو تخرج بعيدا عن الواقع الجديد.. وتصبح «كائنا غير قابل للاندماج». وأحسب أن جزءا كبيرا من المشهد الحالى فى العالم العربى ومصر فى القلب منه ـ يتعلق بعملية التغير السريعة، وبانهيار الكثير من «المشروعات الكبري» فى الخيال الشعبي، مثل مشروع «حركات الإسلام السياسي»، فضلا عن سقوط الكثير من الأقنعة، والأهم تكشف الكثير من «الألعاب السياسية» التى استخدمت «ورقة التدين»، ورفعت شعارات الدين لأغراض سياسية. ووسط هذا كله، وبعد سنوات من الفوضى الخلاقة والانتفاضات العربية، فإن الكثيرين مثل أحمد خالد توفيق لديهم حاجة، ويحركهم أمل «لعل وعسى أن يجد جنته»، كما أن منهم مثله «لا يخاف الموت.. ولكن يخاف أن يموت قبل أن يحيا». ترى هل يمكن أن نجد «خيطا رفيعا» يربط ما بين هذا كله؟!

وأحسب أن المسألة صعبة، وذلك لأن حجم الصدمات كبير للغاية، ويتساقط فوق رؤوس وعقول البعض الكثير من الأحجيات بسرعة أكبر من قدرتهم على الدهشة والفهم. والمدهش أن ولى عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان هو من يزلزل «أمورا كثيرة» استقرت، ولعل من أبرزها وضعه جماعة الإخوان التى احتضنتها بلاده طويلا ضمن «محور الشر»، وذلك فى سلة واحدة مع إيران وحزب الله والجماعات المتطرفة. إلا أن بن سلمان اعترف فى حواره المهم مع مجلة «أتلانتيك» الأمريكية بأن بلاده استخدمت حركة الإخوان كورقة لمحاربة الشيوعية، التى كانت تهدد أوروبا وأمريكا والسعودية نفسها أثناء الحرب الباردة، ووصف نظام الرئيس جمال عبد الناصر بأنه كان «شيوعيا»، كما نفى وجود «الوهابية» فى المملكة، وأكد أن هناك أربعة مذاهب سنية. وفى الوقت ذاته أنكر أى دعم مالى سعودى للإرهابيين، ومنظماتهم المتطرفة، ولكنه اعترف بأن بعض الشخصيات السعودية فى المملكة مولت بعض هذه الجماعات، دون أن يحددها. وقبل أن يطوى العام الماضى أوراقه ويرحل، فقد اعترف رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم بأن ما دفع للحرب على سوريا تجاوز الـ 150 مليار دولار، وكان بتنسيق مع الولايات المتحدة ودول أخرى أوروبية وعربية. وهنا يشعر المواطن العادى بالدوار، ولا يملك القدرة على «ترتيب هذه الأشياء» التى تتساقط فجأة فوق رأسه، حيث يدرك فجأة أن هذه الحركات والتنظيمات والمشروعات الإسلامية كانت «أدوات على رقعة الشطرنج» فى لعبة أمم كبري، وأن كل شيء فى الحرب «مباح» حتى اللعب «بورقة التدين»، واخضاع تفسير المقدس «لأهواء وأغراض سياسية»، وأن «أمراء الإرهاب» لم يطلبوا «جنة الآخرة»، بل سعوا وراء «جنة الدنيا» بسلطة الحكم ونفوذه وامتيازاته، وأن الأفراد العاديين دفعوا إلى «جهنم الحرب» التى كانوا وقودها، ولم يعرفوا القصة ولا بداياتها، ولا نهايتها إلا الآن فى لحظة تتهاوى فيها أشياء كثيرة!

>>>>>

وأحسب أن «أقنعة كثيرة» سوف تسقط، ووجوها أكثر سوف يتم الكشف عن «أدوارها» مثل حسن البنا ومحمد بن عبد الوهاب والشيوخ الجدد وغيرهم. وفى كتاب مهم بعنوان «اسلام السوق» للباحث السويسرى باتريك هايني، الذى يلقى الضوء على تحولات نوعية حدثت فى مسيرة التدين، وهو يتبنى وجهة نظر الباحثين الفرنسيين أوليفيه روا وجيل كيبيل عن فشل الصحوة الإسلامية، وفى القلب منها الحركات الإسلامية، فى تقديم نموذجها النقى للمجتمع. وأحسب أن ما تكشف ـ ولايزال ـ عن هذه الحركات، وممارساتها وحده كفيل «بتقويض» دعاوى أمراء الإرهاب. إلا أن الباحث اهتم بما سماه «ظهور خطاب إسلاموى جديد لا يعد بطوبيا أخيرة، خطاب ينبثق عند نقطة التقاء بين «نظريات الإدارة» الأمريكية، وأدبيات التحقق الفردي، حيث الأولوية هى للفاعلية، والنجاح الإدارى وليس للبديل الحضاري». ويرصد الكاتب أمزجة الطبقة الوسطي، وهى الأمزجة ذات الطابع الصوفي، الهجين، والقريب من ثقافة «الأجيال الجديدة» فى العالم. باختصار الاعتماد الصريح أو الضمنى على فلسفة السوق، والتى تتلخص فى التركيز على الفرد لا الجماعة، وسيادة منطق الانفتاح الثقافي.

ويبقى أن حالة الغربة والاغتراب سوف تطول كثيرا، وسيظل المواطن العادي، مثل الكتاب والنخبة فى حالة بحث عن «الفردوس» الذى يوفر الأمن والطمأنينة، والعدالة. وأحسب أن الكاتب الراحل حاول أن يقدم رؤيته، وأن يأخذ القراء إلى عوالم بعيدة، وأن يقدم «أجوبة» على الكثير من الأسئلة المعلقة فى الهواء. إلا أن الواقع العربى المضطرب يبدو فى أشد الحاجة لمن يقدم «رؤية معاصرة»، و«أملا حقيقيا» على أرض الواقع لملايين الشباب الذين سقطوا ضحية جماعات الموت، ولأمراء الإرهاب، والجماعة المحظورة. وأيضا يقدم نموذجا ورؤية لهؤلاء الذين اختاروا أن يموتوا أمام سواحل أوروبا، بالإضافة إلى الكثيرين الذين مازالوا فى بلدانهم فى انتظار أن يتحقق الأمل، وأن تنتصر «الكفاءة» على كل ما عداها، وأن يتنفسوا ولو من بعيد رياح «جنتهم» على الأرض فى زمن السوق.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البحث عن الجنة فى زمن السوق البحث عن الجنة فى زمن السوق



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon