بقلم : هالة العيسوي
توقفت طويلا أمام العنوان الساخن الذي صدّر به ديفيد د. كيركباتريك مراسل صحيفة نيويورك تايمز في الشرق الأوسط ومدير مكتبها بالقاهرة، تقريره المدوي عن التسريبات المزعومة لتسجيلات مكالمات هاتفية جرت بين شخص تزعم الصحيفة أنه ضابط بالمخابرات المصرية وبين بعض مقدمي برامج التوك شو في الفضائيات المصرية يحرضهم في تلك المكالمات علي إقناع مشاهديهم بعدم ضرورة التركيز علي رفض قرار الرئيس الأمريكي ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبأن أهمية القدس لا تختلف كثيرا عن باقي أنحاء الضفة الغربية..
لم يستوقفني محتوي المكالمات الهاتفية الذي نشره المراسل، ولا تساءلت كغيري–رغم مشروعية السؤال–عن مصدر تلك التسجيلات أو عن كيفية وصولها لمحطة الجزيرة القطرية، ولا عن أهمية وقيمة الإعلاميين الذين ورد ذكرهم. في التقرير الأمريكي ولا عن مدي تعبيرهم عن رأي الدولة المصرية، لكن ما لفت انتباهي حقا وأثار دهشتي هو ذلك العنوان: »شرائط تكشف عن قبول الزعيم المصري المفهوم ضمناً لخطوة القدس«. لاحظت كيف تعمد التقرير الزج باسم الرئيس السيسي في العنوان اللافت للنظر. لكنك حين تقرأ متن التقرير لا تجد به ما يفيد من قريب أو بعيد أي علاقة بالرئيس، وأنه مبني علي ترهات ومعلومات مفتعلة بلا سند من حقيقة اللهم إلا الزعم بأن صاحب التسجيلات؛ «أشرف الخولي» ضابط بالمخابرات المصرية وهي مسألة محل شك في ذاتها.
بالأمس أيضاً نشرت صحيفة هاآرتس تقريرا لا يقل خبثا لمراسلها في واشنطن؛ ينقل عن أربعة مصادر مجهولة أصرت علي عدم الكشف عن هويتها لكنها مقربة من إدارة الرئيس الأمريكي السابق أوباما قولهم إن نتانياهو طلب من أوباما في 2014 التفكير في خطة تضم إسرائيل من خلالها مساحات كبيرة من الضفة الغربية بحيث يتم تعويض الفلسطينيين بمساحات أخري من مصر! وتحديدا في شمال سيناء.
يقول التقرير إن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفي هذه القصة. لكن التقرير في الفقرة التالية يتحدي ويؤكد نقلا عن نفس مصادره المجهولة أنهم سمعوا نتانياهو يطرح الفكرة علي أوباما ووزير خارجيته جون كيري في أكثر من مناسبة وأنه أبلغهما اعتقاده بإمكانية إقناع الرئيس عبد الفتاح السيسي بقبول هذه الفكرة!
مرة أخري يتم الزج باسم الرئيس في مبادرات خبيثة لا يقصد منها سوي الضغط علي مصر وإظهارها في صورة المفرط في أرضه المتخلي عن سيادته.
المثير للدهشة هو ذلك الاعتقاد المستولي علي عقل الدولة الصهيونية وحلفائها الذي تستخدم آلتها الإعلامية لترويجه بإمكانية التحايل علي مصر علي أساس أن نتانياهو لا يقصد إقامة الدولة الفلسطينية في سيناء إنما فيما تبقي من الضفة الغربية، وأن مصر–وفق طرحه–لن تتنازل عن أرضها لإسرائيل ولكن للفلسطينيين بحيث تتسع مساحة قطاع غزة لاستيعاب المواطنين الفلسطينيين النازحين من الضفة للقطاع! يا سلام!
وفي حين يؤكد التقرير أن الإدارة الأمريكية سمعت من مصر مباشرة رفضا قاطعا للفكرة واستحالة قبولها، كما سمعت نفس الرفض من الفلسطينيين، إلا أن الأمر المريب هو ان هذا الطرح يشبه ما تردد مؤخراً ونقل عن إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، بما يؤكد أن ثمة إصرارا علي عدم التخلي عن نفس الفكرة ورغبة ملّحة في طرحها كلما أمكن.
ما يثير الدهشة أن نفس المصادر المجهولة تفسر أسباب رفض الفلسطينيين من وجهة نظرهم للانتقال إلي سيناء بأنه ليس هناك ما يدعو الفلسطينيين للتخلي عن أراضيهم الزراعية الخصبة بالضفة والانتقال إلي صحراء سيناء القاحلة، التي أصبحت موطئ قدم للإرهاب الداعشي. يعني رفض الفلسطينيين لا يعود إلي تمسكهم بأرضهم وحقهم في وطنهم السليب. وأظن أن هذا هو الغرض الإسرائيلي الحقيقي الخبيث من وراء الفكرة وهو الاستيلاء علي الأراضي الخصبة الجاهزة للإنتاج بعد أن كلفتها تجربة احتلال سيناء كثيرا من المال والجهد
لاستصلاحها، وبعد ما ساعدت هي وأمريكا في زرع الإرهاب الداعشي في سيناء تريد الآن إزاحة خطره عن حدودها مع مصر وتعبئة المنطقة بالفلسطينيين ليسهل عليها تطويقهم ليكون الإرهاب من ناحية والاحتلال من الناحية الأخري.