بقلم : هالة العيسوي
من وراء النافذة
ما أجمل أن تهجر عالمك المشحون بفوضي الشارع وضغوط الحياة وكل محفزات ارتفاع ضغط الدم والسكر بدءاً من وسائل التواصل الاجتماعي مروراً بوسائل الإعلام وبرامج التوك شو الصاخبة، بل حتي هذا المقال. دع عنك همومك الزوجية وخلافاتك المهنية، ومشاكلك مع رئيسك وزملائك، صم أذنيك عن صياح أبنائك، ضع فيهما سماعات تحجب عنك كل ضوضاء هذا العالم الردئ وانفرد بنفسك لسويعات تصطحب فيها كتاباً محبباً إلي قلبك، وتغسل أذنيك بموسيقي هادئة أو أغنية شجية.
نصيحة سهلة لكن تحقيقها في يقيني قد يصبح من أصعب ما يكون.. فالكتب أنواع منها، ما تستروح به وتستأنسه، ومنها ما يقمعك ويأسرك حتي يستعبدك فلا ترجو منه فكاكاً حتي يجهز عليك أو تجهز أنت عليه، ومنها ما يستفزك وتدخل معه في شجار صامت تزيحه جانباً ولو إلي حين كي تتهيأ له ذهنياً ونفسياً لكنك لا تقوي كثيراً علي الممانعة فقد اشتقت لإجهاد الفكر الذي لم تبرحه قط مهما حاولت أو تظاهرت أمام نفسك.. الفائز حقاً هو من ينجح في انتقاء خليله وصاحبه، وحلاوة الصحبة تضمن لك الفوز دائماً.
كان حظي طيباً، بلا أي فضل مني، أو ادعاء بحسن الاختيار، أهديت في الأيام الماضية صحبة من الكتب المتنوعة ربما بمناسبة العرس السنوي للثقافة والفن والفكر في معرض الكتاب، أو ربما كانت صدفة التزامن لكنها طيبة في كل الأحوال. أروع ما في هذه الصدفة أن تلك الكتب كانت من شتي الأنواع التي ذكرتها لك في السطور السابقة، فمنها ما استروحت به مثل كتاب »جمال عبد الناصر سيرة مصورة» الصادر عن قطاع الثقافة بدار أخبار اليوم بمناسبة مرور مائة سنة علي ميلاد الزعيم الراحل. الكتاب رائع الإخراج ضم بين دفتيه أجمل صور الزعيم استعرض من خلالها محرره الزميل المثقف الكاتب علاء عبد الوهاب مدير القطاع سيرة حياة ناصر من الطفولة وحتي الوداع المهيب في جنازة وصفها عن حق المهندس عبد الحكيم عبد الناصر الابن الأصغر للزعيم في أول لقاء لي به في أعقاب ثورة 2011 بأنها جنازة القرن. هي سيرة مصورة لحياة قصيرة عمراً عميقة الأثر خالدة الذكر بكل نجاحاتها وإخفاقاتها.
ومن سيرة الحياة إلي »سيرة الحب» لنذهب إلي كتاب »أجمل القصائد في حب عبد الناصر»، التي قام علي انتقائها وجمعها الكاتب والناقد الفني الكبير عاطف النمر فأعادنا بتحفته الرائعة إلي الزمن الجميل، قدم فيها باقة تضم قصائد العامية والفصحي ذكرتنا بعروقنا حين كانت تنفر ونحن نغني بحماس مع أم كلثوم وعبد الحليم وغيرهما لحبيب الملايين من كلمات بيرم التونسي وصلاح جاهين ونزار قباني أو ونحن ندمع مع كلمات محمود درويش وننفطر حين نقرأ أبيات معين بسيسو وصلاح عبد الصبور. لقد أثبت لنا »عاطف» كيف كان ناصر ملهما للشعراء في حياته وفي مماته.
ونعود إلي بيرم أو »موليير الشرق» ومازلنا في رحلة الشعر والزجل لنستروح مع قطاع الثقافة بدار أخبار اليوم إعادة طبع لكتاب الناقد الفني الراحل الأستاذ محمد السيد شوشة »أغاني بيرم التونسي» وفيه قدم شوشة مختارات من الرصيد الغنائي لبيرم الذي تجاوز الخمسمائة أغنية.
تتجاذبني الرغبة في التحدي والإصرار علي النأي بنفسي عن كل ما يتصل بالسياسة والتاريخ والوثائق وكل ما يجهد العقل والفكر، خاصة عندما أنظر إلي الحجم الضخم للكتاب الذي بين يديّ وأشفق علي نفسي من حمله، ثم تنهار مقاومتي ولا أجد بداً من البدء فيه لجاذبية موضوعه وخطورته أيضاً. كتاب »خلافات قادة حرب أكتوبر» يكشف كيف احتدم الجدل بين الرئيس السادات وقادته العسكريين حتي وصل إلي غرفة العمليات. المؤلفة الباحثة فاتن عوض بذلت جهدا جبارا لتوثيق تلك الوقائع فاستندت إلي وثائق سرية غاية في الأهمية كشفت النقاب عن كواليس أهم حروب تاريخنا المعاصر.
مازال في الجعبة الكثير، لكن إلي أن أنتهي من رحلة الاسترواح والتحدي أعدكم برحلة جديدة أخري وصحبة ممتعة مع الكتاب حيث يكرم المرء ولا يهان.. دعواتكم
نقلاً عن الاخبار القاهرية