توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الكلام الكيماويّ

  مصر اليوم -

الكلام الكيماويّ

بقلم : حازم صاغية

 ضُرب أهل دوما، وسوريّون غيرهم، بالكلام الكيماويّ قبل أن يُضرَبوا بالسلاح الكيماويّ. الكلام الكيماويّ له أشكال كثيرة: حين سُكّ تعبير «سوريّة المفيدة»، وحين وُصف نزوح النازحين بأنّه يجعل الشعب أكثر تجانساً، وحين نُعتت أكثريّة السوريّين بـ «الإرهاب» و «التكفير» و «الإسلاميّة»... هذا كلّه كان كلاماً كيماويّاً. إنّه يقوم على نوع من التبويب الماهويّ الذي تكون تتمتّه القتل. مؤدّى هذا المنطق: أنتم فئران وحشرات، وللفئران والحشرات علاج واحد: الرشّ بالكيماويّ. أهميّة هذا العلاج تتضاعف حين تعاند الحشرة رافضةً أن تستسلم: حشرة وترفض؟ إذاً، فليكن الكيماويّ مضاعَفاً.

إدانة التبويب ليست رفضاً شعبويّاً لعلوم اجتماعيّة وتجريبيّة تميّز معرفيّاً داخل المجتمع الواحد: تميّز تبعاً للجنس والعمر والدخل والتعليم والدين والطائفة والإثنيّة... المقصود بالتبويب الذي يقترحه الكلام الكيماويّ ذاك التأويل الأيديولوجيّ المسبق الذي يلغي كلّ نشاط تجريبيّ وكل امتحانات الواقع. إنّه يصدر عن مُركّب وعي طائفيّ– طبقيّ شُيّد وراء سور كثيف يفصله عن البرابرة– البرابرة المحكومين فحسب بشرطهم البربريّ.

بالطبع، لا تزال النازيّة والشيوعيّة النموذجين الأشدّ تعبيراً واكتمالاً عن هذا الوعي: الأولى في تبويبها البشر تبعاً لداروينيّة مشوّهة. الثانية في اعتمادها «قوانين التاريخ» لتبويب البشر وموضَعَتهم.

ولأنّ هذا «الفكر» لا يرى الواقع، ولا يُعنى بدلالاته، فهو يمضي متماسكاً في خرافته المغلقة إلى ما لا نهاية. إنّه، على عكس الحركات الثوريّة التي تريد تحويل المجتمعات، يسعى إلى تحويل الطبيعة الإنسانيّة نفسها بما يلائم «قوانينه». أمّا النهاية الكابوسيّة التي يفضي إليها «الفكر» المذكور فهي جعل البشر فائضين عن الحاجة، أو عن اللزوم، وفقاً لتعبير شهير لهنه أرنت. ذاك أنّ القتل هو الدواء المنطقيّ لهؤلاء الواقعين خارج ضفّة الخرافة، الضالعين جوهريّاً في الشرّ والتخلّف وفي ما كان يسمّيه هاينريش هملر «روحيّة العبيد».

طبعاً سيكون من المبالغة أن نفترض امتلاك النظام الأسديّ المتهافت تماسكاً خرافيّاً من النوع النازيّ أو الشيوعيّ. لكنْ ليس من المبالغة النظر إلى عقل ذاك النظام بوصفه جَمْعاً لنُتَف مبعثرة من الخرافتين الفاشيّة والشيوعيّة. وليس صدفة أنّ القوى والأحزاب المتفرّعة عن هاتين الخرافتين، والتي لا تزال مقيمة فيهما، تلتقي عند تأييد بشّار الأسد وسياساته الكيماويّة.

وقد نضيف خرافة أخرى بدأت، منذ 2005، تؤثّر في التكوين العقليّ للنظام المذكور: إنّها ما ينجرّ عن النيوليبراليّة من تبويب لا يقلّ ماهويّةً، تبويبٍ يفصل الناجح عن الفاشل والقويّ المقتدر عن الضعيف المهيض الجناح. وأيضاً ليس صدفة أنّ رجال الأعمال وكبار المليونيريّين يقفون حيث تقف الغالبيّة الكاسحة من «قوميّين وتقدّميّين ويساريّين» على أنواعهم.

لكنّ ما حضّ على تسريع الانتقال من الكلام الكيماويّ إلى الفعل الكيماويّ عنصران: أنّ النظام عاجز فيما هو ينتصر. إنّه الصلعاء التي تتباهى بشَعر جارتيها الروسيّة والإيرانيّة، مدركةً أنّ رأسها لا يُنبت شعراً، وأنّ الفجور والتوحّش هما القبّعة والستر.

أمّا العنصر الثاني فأنّ العالم يجيز التوحّش الفاجر. انهيار «الخطّ الأحمر» الأوباميّ كان محطّة بارزة في هذه الإجازة. أمّا ضرب مطار الشعيرات بالأمس، ومطار تيفور اليوم، فقليل جدّاً ومتأخّر جدّاً بقياس الكيماويّ وأشكال القتل الكثيرة الأخرى. هذا في انتظار أن يقنعنا ترامب وماكرون بالعكس.

لقد حوّل الأسدان سوريّة إلى سجن، والسجن الأسديّ نصف الطريق إلى موت السجين. في موازاة ذلك، أسّست لغة «الوحدة والحرّيّة والاشتراكيّة» قاعدة صواريخ لغويّة ومفهوميّة ينطلق منها اليوم الكلام والفعل الكيماويّان سواء بسواء. هذان ليسا شيئين منفصلين. إنّهما الشيء عينه.

نقلاً عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكلام الكيماويّ الكلام الكيماويّ



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon