توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الكذب السياسى».. ألوانه وخطورته على المجتمع والدولة

  مصر اليوم -

«الكذب السياسى» ألوانه وخطورته على المجتمع والدولة

بقلم - عمار علي حسن

يحمل الكذب معانى التقول والتضليل والخداع والإيهام والغش والمخاتلة والنصب والتزوير والتزييف والمراء والدهاء والحيلة والإيقاع فى الأحابيل وخفاء الأسرار والغدر والخيانة والمكر والمراوغة والمناورة إلى جانب تبرير فعل شائن، أو تلميع صورة، أو إخفاء فضيحة. والكذب هو نوع من الخداع، ولكن ليس كل خداع هو بالضرورة كذبا، فللخديعة نوعان آخران، الإخفاء والتلفيق، ولا يشترطان أن تصحبهما عبارة كاذبة.

ويبدو الكذب السياسى ابن السلطة، التى عندما تظهر بين الناس تقسمهم إلى حاكم ومحكوم مما يعطى فرصة للأكاذيب، ظاهرة ومقنعة، كى تتسرب عفية بين شقوق ومسام هذه القسمة. وقد جعلت العلاقة العضوية بين الكذب والسياسة فلاسفة وكتاب دواوين ومؤرخين ومستشارين وقضاة يعنون بتأليف الكتب والرسائل فى فنون الكذب السياسى فى مختلف الثقافات عبر العصور، حتى صار للكذب مراحل تطورية، يقطعها وهو يسير متبخترا فى ركاب السياسة، حتى كاد يصير مبحثا مستقلا تدور حوله مفاهيم وإشكالات ونظريات ومناقشات، بل صار جزءا من صميم العمل السياسى، سواء كان فى ظل نظام ديمقراطى أو استبدادى.

ويجد الكثير من السياسيين مبررات لممارسة الكذب وهم مستريحو الضمير، مستندين إلى خلفيات فكرية ونظرية، أجاد بها فلاسفة كثر، كأن يتحدث أفلاطون عن «الكذب النبيل»، ويقول فولتير «الكذب له قيمته»، فيما يعتقد أتباع ليو شتراوس من المحافظين الجدد أن الجماهير لا يمكن أن تساس وتحكم إلا بالكذب، ويُفرط ميكافيللى فى الكذب عبر كتابه الشهير «الأمير» من منطلق اعتقاده فى أن السياسى لا ينتصر فقط بالقوة ولكن أيضا بالحيلة والخديعة، فيما لاحظ مؤرخو الكذب السياسى المعاصرون أمثال كوبرى وأرندت ودريدا أن الفعل السياسى لم يعد اليوم مرتبطا أساسا بالعقل، وبالتالى بالحقيقة، بل بالرأى الذى يقوم على الخيال، ومن ثم صارت السياسية هى أكثر شيئا كذبا.

فالكذب يبقى هو أكثر ألوان المبالغة قربا من فضاء المجاز، بل هناك من يقرب بينهما إلى حد عميق ليرى أن طائف الكذب قد طاف بالمجاز فى البلاغة العربية، ولا فرق بينهما سوى بالتأويل، فى ظل استناد الكلام إلى الاستعارات والمجازات والتشبيهات التى تنأى بطبيعتها عن الواقعيات والحقائق، مما يسهل تسرب الكذب إلى المسافة الفاصلة بين الاثتين.

ويستعمل السياسى أدوات الخطابة والجدل والبلاغة لقلب الوقائع وإحداث التغيير فى النفوس، لتصير مهمة السياسى الكاذب هى تحويل الاستعارة إلى حقيقة عبر تجريدها من واقعيتها.

ورغم أن الكذب هو طريقة للسطو على الحقيقة وإلغائها، أو هو حقيقة ذاتية بديلا عن الحقيقة الموضوعية فإن محترفى الكذب من السياسيين طالما يعتبرون أن من حقهم الكذب لأن مصلحة الدولة والشعب تقتضى هذا من وجهة نظرهم، مدفوعين فى هذا بعدة اعتبارات براجماتية، رصدها محمد المصباحى فى دراسته المهمة: «هل يمكن الكلام عن الحق فى الكذب فى المجال السياسى»، وأولها أن السياسى كى يكسب الناس إلى جانبه فعليه أن يحرف المعطيات والوقائع والحقائق، ويزيف الأخبار والمعلومات بتضخيمها أو نفيها أو التقليل من شأنها. وثانيها أن بعض الساسة يؤمنون بأن التغيير يتطلب أحيانا تزييف الوقائع أى ممارسة الكذب.

وثالثها تخص القادة الذين يعتقدون أحيانا أن عليهم مسؤولية أخلاقية تدفعهم إلى الكذب بغية حماية بلادهم، وبذا يكذبون أحيانا فى قضايا السياسة الخارجية عن قصد وتعمد، حيث يقولون أو يوحون بأمور يعلمون أنها غير صحيحة، مطمئنين إلى أن شعوبهم عادة لن تعاقبهم بسبب خداعهم، إلا إذا أدى ذلك الفعل إلى نتائج وخيمة.

ورابعها ترتبط بأولئك الذين يرون أن السياسة هى أقرب ما تكون إلى الشعر، فى نزوعها إلى الخطابة، وكما أن أعذب الشعر أكذبه فإن أعذب السياسة أكذبها. وخامسها هو أن أغلب الساسة يجدون دوما فى أسماء الكذب وأفعاله ما يبررها بدعوى أنه من دون المفاهيم الخاطئة والصور الخيالية والأوهام تبدو الحياة مستحيلة ومقززة، بل يصبح العلم نفسه غير قابل للتصور من دون أساطير واستعارات. وسادسها تتعلق بمن يقتنعون بأنه لا مفر أمام السياسى من الكذب مهما علت همته الأخلاقية، لاسيما إذا كان الجمهور يتوقع منه أن يفعل هذا ليستدرجه إلى أوهامه وأحلامه. وسابعها قد يعود إلى نفسية الحاكم، التى تجعله دوما ينكر حقيقة موجودة أو يحتقرها ويفر من قسوتها، لأنه يراها تهدد مصالحه ووجوده.

ولا يعنى ما سبق ضرورة المصالحة بين السياسة والكذب، ولا يمكن تفسير الكذب بالغفلة والنسيان واللاوعى وعدم الانتباه كما فعل نيتشة وفرويد وكانط بشكل ما، إنما يجب أن يتوافر القصد فى الكذب كى يكون كذلك، مثلما تحدث سارتر عن سوء النية، فالكاذب السياسى يعرف الحقيقة، إلا أن يضعها جانبا، ويطلق معلومات مضللة تسمح له بتحقيق أغراضه، بالكذب على الجسم السياسى للمجتمع بأسره حسبما يرى كانط نفسه.

وانتشار الكذب فى دولة ما قد يدمر كيانها، ويضعف من استقرارها وأمنها الداخلى، مهما تم التذرع بأنه كذب نبيل أو أبيض أو إيثارى. وحتى لو كان الساسة يرون أن الكذب على العالم الخارجى مباح ومتاح فعليهم أن يدركوا أن هذا النوع من الكذب له ارتداد ضار على الداخل مع مرور الوقت.

نقلا عن المصري اليوم 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الكذب السياسى» ألوانه وخطورته على المجتمع والدولة «الكذب السياسى» ألوانه وخطورته على المجتمع والدولة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon