توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التراث بين النوستالجيا والشوفينية

  مصر اليوم -

التراث بين النوستالجيا والشوفينية

بقلم - محمود العلايلي

فى نفس الأسبوع الذى طالعتنا فيه وكالات الأنباء الدولية عن إنجاز بشرى تاريخى بنجاح مجموعة من العلماء فى التقاط صورة للثقب الأسود، وأخبار أخرى عن تحطم مركبة فضاء إسرائيلية على سطح القمر، ونجاح شركة سبيس إكس فى إطلاق أقوى صاروخ قيد التشغيل فى العالم فى أول رحلة تجارية له، فاجأتنا الصحف المصرية بخبر عجيب تناولته منصات التواصل الاجتماعى، عن أستاذ أزهرى تحدى تلاميذه فى إحدى قاعات الدرس أن يخلعوا سراويلهم نظير حصولهم على الدرجات النهائية متمثلين أحد الأحداث التاريخية، وهو ما رفضه أغلب الطلاب، إلا اثنين منهم قاما بذلك وتم إثبات ذلك بالتصوير والنشر.

وبالطبع انقلبت الدنيا سواء من مؤسسة الأزهر، التى قامت بوقف الطلاب والأستاذ ورئيس القسم والعميد، أو من مرتادى منصات التواصل والكتاب والمحللين الذين واتتهم الفرصة للهجوم على الأزهر وقياداته ومناهجه وادعاءاتهم بتجديد الخطاب الدينى أو تطوير المناهج.

وواقع الأمر أن كل هذه ردود أفعال وقتية لموقف وقتى لأن المسألة أكبر من الحدث بكثير، وذلك لأن فى مصر ما يقرب من 9600 معهد أزهرى يدرس فيها نحو مليونين ونصف المليون تلميذ، بينما جامعة الأزهر بها حوالى 290 ألف طالب يدرس جميعهم معظم هذه المواد التراثية، بكل ما فيها من أحداث موضوعية وأخرى موضوعة، وما حواه هذا التراث مما يلائم الأزمنة التى حدث فيها ومزاجات من تحقق منها.

وإذا نظرنا للمسألة بشكل أكثر تحديدا فدعونا نتساءل: هل المشكلة فى المناهج فى ذاتها أم فى طريقة تناولها؟، فهل يتم تناول التراث على أنه ما خلفه الأجداد من تواريخ وأحداث وثقافات وعادات وتقاليد، أم نتناوله من جانب النوستالجيا، أى بالحنين للماضى الذى نتخيله مثاليًّا ونتوق للعيش فيه؟

واقع الأمر أنهم يتناولونه من النقطتين معًا بالإضافة لما هو أخطر، لأنهم يتعاملون مع التراث بطريقة شوفينية فجة، والشوفينية هى الاعتقاد المبالغ فيه لشىء والتعصب له برفض التعامل مع سواه، والحط من قدر كل ما يخالف ذلك، وفى الأغلب يكون لأسباب غير منطقية، والشوفينى يشعر بالولاء الشديد فى دفاعه عن معتقده، كما ينتابه شعور بالخيانة إذا تقاعس عن ذلك أو تهاون فيه، والأهم هو الانسياق خلف المحاولات الفردية لهؤلاء الشوفينيين بانتقاء أكثر التوجهات المتطرفة فى طيات هذا التراث كمحاولات للتفوق والتفرد بين الأقران المتنافسين.

وعلى جانب آخر، فإن الأمر غير المنطقى أن يكون هناك هذا العدد المهول من التلاميذ والطلاب المصريين الذين يقومون بدراسة هذه المناهج الموغلة فى القدم والغرابة، بينما تقتصر دراستها فى أغلب أنحاء العالم على المتخصصين فى شؤون التراث والفلكلور والتاريخ، وليس على مستوى تلاميذ وطلاب فى مراحل التكوين العقلى والنفسى، ولا تأتى الخطورة من ذلك كما يحلو للبعض اختصاره فى مسألة تخريج المتطرفين والإرهابيين فقط، ولكن الأهم هو تنشئة أجيال متعاقبة تعيش فى الماضى بما فيه من تباين ثقافى واجتماعى، وعلى مخرجات التراث بما فيها من أوهام وضلالات، إن لم تكن من صنع كاتبيها فهى نتاج عصرها ومستخرجات معطياته، فينظرون إلى الزمن الحالى باغتراب ويتعاملون معه بتوجس خوفًا من خيانة ما درسوه، وخشية الوقوع فى براثن المستقبل الذى تم شيطنته مسبقا بدواعى الكفر والابتداع.

إن كشف العورة ليس لأن هؤلاء الطلبة قد أقدموا على خلع سراويلهم للأستاذ تحديًا، ولكن العورة المكشوفة حقًا أن يظل جزء كبير من المجتمع عارى المخ، مسلوب الإرادة، مغيب الوعى، موهومين بالشوفينية التراثية التى تدفنهم تحت صفحات كتبهم وتوهمات أسفارهم، معتقدين صدقًا أنهم الأحياء؛ بينما باقى العالم هم الموتى.

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التراث بين النوستالجيا والشوفينية التراث بين النوستالجيا والشوفينية



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon