توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يوميّاتُ عابرٍ في ربيعٍ غيرِ عربيّ

  مصر اليوم -

يوميّاتُ عابرٍ في ربيعٍ غيرِ عربيّ

بقلم - أدونيس

ــ 1 ــ

لم يُخبّىء الرّبيع، ذلك الرّبيع، في أيّ برعُمٍ من براعم أزهارهِ،

إلاّ ناراً أو سيفاً.

هكذا يبدو أنّ الحربَ ستطولُ

بين ما كنتُ وما أنا.

بين ما أردْتُ وما أريد.

ــ 2 ــ

لم يعُدْ ذلك الرّفيقُ يحبُّ إلاّ شبيهَه.

ما أشقاه!

كيف يقدر الإنسانُ أن يحيا

في مثل هذا البُؤس؟

ــ 3 ــ

قال لي الرّبيعُ، ذلك الرّبيع، مُعترِفاً:

الخريفُ خيرٌ منّي، لأنّه الأكثرُ حكمةً.

والأجملُ في هذه الحكمة مسْرحُه التّراجيديّ الرّاقص.

مسرحٌ أسَّسَتْ له أوراقُ الشّجر ــ تتساقَطُ لاهِيةً، لامُبالِيَةً في الهواء الطَلْق.

ــ 4 ــ

سمعْتُ الخريفَ يُتَمتِم :

«أوه! ما هذا الرّبيع! مجرّد حكاية! وكيف لِمَن يرويها

أن يكون أكثرَ أهمّيةً ممّن يكتبُها؟».

ــ 5 ــ

كلاّ لا يجرحُني كلامُ شخصٍ لا معنى لكلامه.

ــ 6 ـ

أكتشف الآن كم كنتُ غريباً بين أولئك الذين كنتُ واحداً منهم.

وأسألُ متعجِّباً:

من أين تأتيهم القدرةُ على الاختباءِ بين الكلمات، والنّومِ فوقها

وتَحتَها وإلى جوانبها، والرّقص بين حروفها.

وكيف لم يكونوا ينتصرون لقضيّةٍ إلاّ لكي يموت أصحابُها، قَتْلاً

أو نَفْياً، واحداً واحداً؟

ــ 7 ــ

لم تعرفْ حياتُه الحياةَ. شبَّتْ وشاخَتْ بين التّعاليم والشِّعارات والطّقوس.

ــ 8 ــ

أشعرُ الآنَ أنّ المكانَ الذي أنتمي إليهِ غاضِبٌ عليَّ وأعرف السّبب:

تجرّأْتُ مرّةً،

وحرَّضْتُه لكي يجلسَ في صدارةِ الفضاء.

ــ 9 ــ

أتذكّر كيف نزلت الجرّةُ عن كتف تلك الفلاّحةِ جارتِنا الجميلة، لكي

تنحنيَ على النّبع، احتفاءً بالرّبيع. كانت هذه عادةَ الجِرار في القرية

التي جئتُ منها.

ــ 10 ــ

حزناً،

تدلّى القمرُ أمسِ، كما خُيِّلَ إليّ،

من ذراعِ صفصافةٍ في منديلٍ أسود.

وها أنا أتخيّلُ كيف غابَ، ولم ترَه عيناي منذ ذلك الوقت.

ــ 11 ــ

نعم، أنا جزءٌ من هذا العالم. وأعتزُّ بذلك.

لكن، لماذا ينبغي عليّ أن أكون جزءاً من الحروبِ والدّناءات والخراب؟

ــ 12 ــ

حول مائدة الحرب،

لا يتوقّف الظلُّ عن الْتِهام أصلِه،

لا تتوقّف الحربُ عن التهامِهما، معاً.

مقاعِدُ تجلس على أكتاف المدعوّين،

مدعوّون يتناهبون قتلاهم.

ــ 13 ــ

حربٌ، كلٌّ يصرخ:

يدي لا تعرف يدي،

وخطواتي هي، وحدَها، دروبي.

وكلُّ شيءٍ أداةٌ لكلّ شيء.

ــ 14 ــ

عنقٌ ليس إلاّ غِمْداً لسيفٍ ليس إلاّ كتاباً.

ــ 15 ــ

ما أشقى ذلك اليوم!

لم أعرفْ كيف أساعدُ طفْلاً جائعاً

لكي يُمسِكَ بيده نصْفِ المشلولةِ كسرةً من الخبز

ما أشقاني!

ــ 16 ــ

لا نزالُ نسيرُ.

لا يزالُ الماءُ الذي نشربه يملأ حناجرَنا بالغَصَص.

والطّريقُ التي سلَكناها أطالَت الطّريق.

ــ 17 ــ

يمينٌ ويَسارٌ: قميصٌ واحدٌ.

جسمٌ واحدٌ: أكثر من اثنيْن.

18 ــ

هل قلتَ، أيها التّاريخُ إنّ عينَكَ ملَّتِ السّهَر؟

إذاً، افتَحْ قلبَكَ، وقُلْ مَن أنتَ، حقّاً،

وما أنتَ؟

ــ 19 ــ

لم يبْدُ الصّمتُ في تاريخه كلِّه،

أكثرَ انسجاماً وبؤساً

منه في هذه الآوِنة.

ــ 20 ــ

أصابِعُ مقطوعةٌ تتطايَر كمثل رسومٍ حمراءَ في دفترِ الهواء.

ــ 21 ــ

للدّمِ نافذةٌ في بيته القديم، شبهُ مُغلَقة. وها هو البيتُ يُرَمَّم ويُزَيَّن.

مَن سيقول غداً كيف نغسل الغبارَ نفسَه من جرائم العابرين؟

وماذا تُخبىء تحت قميصكَ أيّها الفجر؟

ــ 22 ــ

اليأسُ أقربُ نقطةٍ إلى الأمل،

حتّى عندما يكون الجِسْرُ بينهما مكسوراً.

ــ 23 ــ

هل الماضي فَسادٌ مُسَبَّقٌ للحاضر؟

هل الحاضرُ فسادٌ مُسَبَّقٌ للمستقبل؟

ما يكونُ الفَسادُ، إذاً؟

24 ــ

عالِجْ رأسَكَ أوّلاً،

قبلَ أن ترفعَ المطرقةَ لتعالجَ رأسَ مَن يخالفُكَ الرّأي.

ــ 25 ــ

الضّوءُ ثلاثةٌ:

مَن يُشعِلُه،

مَن يستضيءُ به،

ومَن يُطفِئه.

ــ 26 ــ

سُلَّمٌ؟

لكن، لماذا لا يقودُ إلاّ إلى الهاوية؟

ــ 27 ــ

كيف استطاعَت يدُ الرّيح التي تنتمي إلى الرّبيع،

أن تضعَ في راحتها

نجمةً وفأْراً معاً في اللحظة نفسها؟

ــ 28 ــ

للتّاريخ أكثرُ من رأس.

وقد أثبتَ واحدٌ بينها أنّ للشّعرة التي كان الخليفةُ معاوية

يمدُّها بينه وبين الآخرين، أكثرَ من طرَفَين:

كان سحرُ الكلامِ عنده يحوِّلها إلى شبكةٍ تتعانقُ في خيوطها

جميعُ الأطراف.

...

لكن، هُوَذا أسمع احتجاجاً يتموّجُ في فضاء الشّوارع،

وأسمع كذلك نفيراً في أجنحة الفراشات.

أهلاً بالشّيءِ ونقيضِه!

أهلاً بالأضدادِ في الأبجديّة الواحدة!

ــ 29 ــ

نضبَ الماءُ في القرية التي أنتمي إليها.

والإشاعةُ أنّه انتحَرَ حزناً على أرضِه الأمّ، وعلى أبنائها.

وقيل إنّ الإسمنتَ المُجاوِرَ كتب رثاءً للنّبْع الذي كان الماءُ يتدفّقُ

منه. لكن لم تقرأه أيّةُ زهرةٍ،

ورفَضَتْ جميعُ الأشجار والنّباتات أن تُصغيَ إليه.

ــ 30 ــ

ماذا تبقّى من شمسِنا في هذه الظّلُمات؟

أعندكَ جَوابٌ، أيّها القمَر؟

نقلا عن الحياة اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوميّاتُ عابرٍ في ربيعٍ غيرِ عربيّ يوميّاتُ عابرٍ في ربيعٍ غيرِ عربيّ



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon