توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأزهر يبدأ ثورته الناعمة

  مصر اليوم -

الأزهر يبدأ ثورته الناعمة

بقلم - محمد أبوالفضل

 الانتقادات العنيفة التى تعرض لها الأزهر بسبب اتهامه بالتعثر فى تجديد الخطاب الديني، تعامل معها فى البداية كأنها تنتقص من دوره التوعوي، وشعر البعض بأنها تزيده عنادا، ولم يقدم على خطوات ملموسة تطمئن من راهنوا عليه فى التصدى لأفكار الجماعات المتطرفة.  الخطوات التى شرع الأزهر فى اتخاذها أخيرا بشأن الاشتباك مع كثير من القضايا المجتمعية، جعلت البعض يعيدون النظر فى تقديراتهم السابقة. فلم يتصوروا أنه سيأتى اليوم الذى يتطرق فيه الأزهر لقضايا تهم المرأة، مثل التحرش الجنسى والحجاب والنقاب، ويتبنى طرحا حضاريا ينصف فيه حرية السيدات.  المسألة تجاوزت ذلك إلى إعادة النظر فى كثير من المسلمات التى كانت فى حكم المحرمات. فقد نشرت جريدة الأزهر الرسمية غلافا حوى صورا لسيدات غير محجبات، كتبن مقالات حول قضايا نسوية مثيرة للجدل، وتطرق بعضها لموضوعات تخالف الرؤية التقليدية التى حافظ عليها شيوخه.  الثورة الفكرية التى شرع الأزهر فى القيام بها، جاءت متأخرة فى نظر البعض، وهذا لا يهم فأن تأتى متأخرا خير من ألا تأتى أبدا، فقد كان بحاجة إلى إظهار المرونة المعروفة عنه تاريخيا، بما يتماشى مع رجاحة شيخه الدكتور أحمد الطيب، الذى واجه بثبات الحملات التى حاولت التشكيك فى دوره، والتقليل من قيمة المؤسسة التى يرأسها.  الحاصل أن الحذر الذى بدا عليه فى الاقتراب من بعض القضايا الحيوية، وفى مقدمتها تجديد الخطاب الديني، جعله يتعرض لانتقادات كثيفة، بعضها كان حسن النية، والبعض الآخر جاء عن سوء قصد. وفى الحالتين من الضرورى تغيير الدفة والاستماع إلى صوت العقل الذى يفرض نهضة هذه المؤسسة من كبوتها والقيام بدورها التنويري.  التغييرات الجارية تسير بوتيرة بطيئة، ولم تصل بعد إلى جوهر القضايا التى تؤكد أن الأزهر يملك رؤية تتواءم تماما مع تطورات العصر، وقادر على دحض أفكار الجماعات المتشددة، لأن انسحابه، طوعا أو تحت ضغوط عدد من شيوخه، أدى إلى ترك الساحة لجهات لها مآرب سياسية خفية.  الغياب الظاهر عن بعض القضايا المهمة مكن دوائر أخرى من محاولة منازعته اختصاصه، وفتح الباب لكثير من الاجتهادات لاستفزازه وحضه على تقديم مقاربات تعزز اقترابه من نبض المجتمع، ولم يعد مستغرقا فى موضوعات تراثية.  الخطوة التى ينتظرها كثيرون من الأزهر تتعلق بإحداث ثورة ناعمة فى المناهج التعليمية وتنقيحها من الأفكار التى يستخدمها البعض دليلا على عدم سماحته، فضلا عن التخلص من سياسة التلقين التى تجاوزها الزمن، وتربية جيل منفتح ويؤمن بفضيلة الاجتهاد، التى حفظت للأزهر مرونته، وحولته إلى مؤسسة تحظى بمكانة عالية فى كثير من الدول الإسلامية، لو جرى استثمارها جيدا لحققت لمصر فوائد سياسية كبيرة.  لقد لمست بنفسى هذه المكانة، عندما قمت بزيارتين لدولة إندونيسيا خلال عامى 2014 و2017، فلم يتم التعامل معى كصحفى مصرى فى جميع اللقاءات التى جمعتنى مع مسئولين ومثقفين فى جاكرتا، بل اعتبرونى صحفيا جاء من بلد الأزهر. ووجدت عددا كبيرا ممن التقيتهم إما درسوا فى الأزهر وإما لهم أقارب خبروا العلوم الفقهية فى جامعته. والكل يحمل حنينا وولاء لهذه المؤسسة، ويحتفظون بانطباعات إيجابية.  الحضور اللافت الذى يملكه الأزهر فى الخارج لم يتم توظيفه جيدا حتى الآن، وبقليل من التفكير والتخطيط يمكن أن يساعد فى تطوير علاقات مصر مع دول كثيرة، يفضى إلى مردودات مادية متعاظمة.  المفارقة أن القيمة المعنوية التى يحظى بها الأزهر فى الخارج تراجعت فى الداخل، عندما أخفق فى الإمساك بدفة التجديد قبل أن يطالبه أحد، وعندما تراخى فى الدفاع عن نفسه ولم يقدم رؤى عصرية، وجد فى الانتقادات التى وجهت إليه تكئة لتبرير تقاعسه، وتم إلصاق وصف «العلماني»، بمعناها السلبى المتداول (ضد الدين)، بكل من طالبوا بتجديد خطاب الأزهر.  بدلا من مجابهة الانتقادات بالمنطق والرد عليها بما يتسق مع الواقع، تحولت المسألة إلى معركة حامية بين فريقين، كل طرف يريد أن يهزم الآخر بالضربة القاضية. وكانت الحصيلة افتعال صراع فى غنى عنه، أصبحت المحاكم إحدى ساحاته، وارتفعت فيها الحناجر وغابت الأصوات العاقلة.  البعض حاولوا إحداث ضجيج مفتعل وتوسيع الشروخ فى الأزهر، بذريعة عدم قدرته على تطوير أفكاره، وهناك من سعوا إلى إيجاد فتنة بينه والحكومة، والتحريض عليه من خلال تحميله المسئولية الكاملة لتمدد الجماعات المتطرفة.  النقطة الرئيسية هنا أن الأزهر لم يسقط أمام هذا الطوفان، وحافظ على قدر ملحوظ من توازنه، وهو يجرى عملية تغيير تدريجيا فى بعض هياكله، حتى فاجأنا بجملة من المواقف المجتمعية التى تشير إلى وجود قراءة مغايرة قد تتم بالنسبة لدوره مستقبلا، ويبدو أن هناك عملية تجديد حقيقية يجرى الاعداد لها، ربما لم تتبلور معالمها النهائية بعد، لكن ملامحها الظاهرة تؤكد الحرص على عدم التضحية بالأزهر.  الدوائر التى اجتهدت فى ملء الفراغ الذى سببه الغياب النسبى للأزهر لم تستطع سده. وبدت بعض التصرفات كأنها نوع من استعراض للقوة الصاعدة، أو الانتقام وتصفية الحسابات مع البعض. وكان من تداعياتها الدخول فى معارك جانبية، والانشغال بها على حساب مواجهة نمو الأفكار المتشددة فى قاع المجتمع.  النتائج الراهنة تشى بأن هناك استدارة أو استفاقة كبيرة داخل مؤسسة الأزهر، ورغبة فى استعادة مكانته داخل المجتمع عبر الالتحام مع قضاياه الحيوية، وتبديد الشكوك التى راودت البعض من المثقفين، وجعلتهم يفقدون الثقة فى التجديد.  الفترة المقبلة تتطلب تكاملا فى الجهود بين الجانبين، الأزهر والنخبة الثقافية، وبدء صفحة من الحوار البناء، تنهى الخلاف الذى احتل مساحة بارزة من الجدل، وانعكست آثاره فى عدم تقديم رؤية شاملة لتجديد الخطاب الديني، وجنت الحركات المتشددة من ورائه ثمارا فكرية ضاعفت من أزمة المؤسسة العريقة وكادت تحبط من يعولون على دورها.  الأزهر أمامه فرصتان، إحداهما تتعلق بالانفتاح على هموم المجتمع ونخبه المتعددة، والأخرى الاقدام على مزيد من خطوات التطوير الجريئة، بما يعيده إلى الصدارة كمؤسسة دينية أولى فى العالم، ومواجهة القوى التى تريد تقزيمه، بما ينزع عن مصر ورقة سياسية غاية فى الأهمية.

نقلا عن الاهرام القاهرية

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأزهر يبدأ ثورته الناعمة الأزهر يبدأ ثورته الناعمة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon