توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إرث «داعش»

  مصر اليوم -

إرث «داعش»

بقلم - مشرق عباس

ليس اسهل من أن يقرر مسؤول سياسي أو عسكري أو امني، إبعاد عشرات الآلاف من عائلات عناصر تنظيم «داعش» إلى مخيمات عزل، بهدف حمايتهم من الانتقام، أو ربما حماية المجتمع من انتقامهم، لكن الأصعب هو محاولة اعادة دمجهم، حماية للجميع.

بعد أكثر من عام على نهاية وجود «داعش» الفعلي في العراق، ربما صارت مصطلحات مثل «المجاهدين» و «المهاجرين» و «الدولة الاسلامية» و «الخلافة» و «الخليفة» و «ديوان الجند» و «الحسبة» في أرشيف ذاكرة معظم سكان المناطق التي احتلها التنظيم، لكنها ما زالت في الحقيقة تشكل جوهر ثقافة مخيمات العزل الخاصة بعائلات التنظيم، ليس لأن اطفالاً ونساء وشيوخاً عزلاً ما زالوا مؤمنين بها وبمصداقية استخدامها من قبل تنظيم ارهابي، بل ببساطة لأن واقع العزلة لم يتح لهم مغادرة إرث «داعش».

لقد تسبب العجز السياسي والحزبي والفكري في العراق بعد 2003 في إنتاج عدالة انتقالية حقيقية، ونمط قانوني وانساني لدمج المخالفين في الوضع الجديد، بكل الكوارث التي اعقبت ذلك التاريخ، ويبدو من باب السخرية المرة فقط أن يسأل أحد الخارجين من رحم سياسة التغاضي وانعدام الرؤية، بحيرة عن الاسباب التي تقف خلف تبني أجيال جديدة ولد بعضها بعد الاحتلال فكر البعث، وتمجيد صدام حسين، ونخشى ان ننتظر لبضع سنوات حتى يخرج السياسي عديم الرؤية نفسه للتساؤل بالحيرة نفسها عن اسباب ولادة اجيال جديدة من المتطرفين.

ان تاريخ القهر والعزل والعقاب الجماعي للسكان بجريرة مجموعة منهم، لم يكن واضحاً للعراقيين ابان الحقب السابقة، فالماكنة الاعلامية، والازمات المتلاحقة، وستراتيجية القمع والتجهيل، لم تسمح بتداول حقيقي لاسباب انتاج مخيمات العزل واللجوء والتهجير العراقية، اجيالاً من الشباب العراقيين الأكثر عداءً وتوجساً من المجتمع الذي عاش في ظل نظام صدام حسين، كما ان استخدام هؤلاء انفسهم بعد عام 2003 لسياسة الترهيب والتخوين والتشكيك بحق عراقيي الداخل، ومنعهم من شغل المناصب الرسمية، لصالح من اطلقوا على انفسهم «مناضلي الخارج» وابنائهم واقاربهم، كان بداية نموذجية لقياس دورة العنف التي لم تتوقف منذ ذلك الحين.

لكن الاخطاء القاتلة لايمكن ان يتم السماح بها مرة ومرتين وعشرة، والفرص المهدورة لايمكن الهروب من نتائجها، ومخيمات العزل الحالية لعائلات «داعش» تحيل الى تلك الاخطاء التي يتوجب الوقوف عندها بحكمة، ومعالجتها بهدوء، وتجنب استخدامها لأعراض سياسية.

كل ذلك لاينفي، ان هذه العائلات قد تكون معرضة بالفعل الى انتقامات عشائرية او فردية في حال عادت الى مناطقها، وهذه المسألة ليست عصية امام التسوية الاجتماعية اذا ماتوفرت النية، والاهم ان عودة هؤلاء ليست الاولوية التي يجدر الانتباه اليها، وانما قبل ذلك التأهيل الصحيح، والرعاية والتعليم، خصوصاً للاطفال من تلك العائلات، والذين على المجتمع اليوم ان يحدد مستقبلهم، ومآلات توجهاتهم، قبل فوات الاوان، واهدار الفرصة التي يسبقها الزمن.

انه أمر محزن ومربك حقاً، ان يهدر مجتمع عاش تجارب مريرة من العنف ودفع اثماناً باهضة بسبب التربية الممنهجة على الشك بالآخر واهماله واقصائه وتشويه تاريخه، فرصته لكسر الدائرة المغلقة وانهاء قدرتها على انتاج المزيد من الكراهية، وهو أمر مربك أكثر عندما يتعلق بفشل دولة في تحقيق التكيف الصحي لبضع الاف من الاطفال في المجتمع.

هناك معلومات عن نية الدولة جمع معسكرات عائلات داعش المتوزعة عبر البلاد، في مدينة يتم تشييدها، برعاية اممية على اطراف الصحراء، وهذه المعلومة لو صحت فانها تنتمي الى الهروب من المشكلة بديلاً عن معالجتها مهما كانت معقدة.

ومع الاقرار بان جزءاً من المشكلة يخص آباءَ غير معروفين وربما غير عراقيين، واطفالاً لم يتم تسجيلهم في اي قيد رسمي، وزوجات تزوجن بأكثر من مقاتل، وكبار سن من الأجداد والجدات يتحملون جزءاً من مسؤولية ما آل اليه مصير عائلاتهم، لكن كل ذلك في الهامش في رؤية الأمم لمصالحها العليا، اما المتن فهو واحد، وملخصه ان هذه المعسكرات، هي حقول الغام نزرعها في صميم مستقبل هذا البلد.

نقلا عن الحياة

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إرث «داعش» إرث «داعش»



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon