توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محرقة بنسلفانيا وشعلة غزة

  مصر اليوم -

محرقة بنسلفانيا وشعلة غزة

بقلم : بكر عويضة

ليس من قبيل المبالغة، في تقديري، إعطاء جريمة سفك دماء مُصلين داخل كنيس يهودي بعد ظهر السبت الماضي، بمدينة بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا، وصف «محرقة». روبرت باوزر، العنصري القاتل، لم يَخَفْ الجهرَ بنازيته، فلم يُخفِ رغبته الكريهة بقتل اليهود. أدى جرمه إلى مقتل أحد عشر متعبداً في يوم عبادة، وفق الديانة اليهودية. في السياق ذاته، من الصعب، أمام جُرم فظيع كهذا، ألا يقفز من قاع الذاكرة، مشهد باروخ غولدشتاين، الإرهابي المستوطن مدينة الخليل الفلسطينية، إذ يدنس الحرم الإبراهيمي ويداهم مصلين أثناء أدائهم صلاة فجر الجمعة، منتصف رمضان العام الهجري 1414، الموافق 25/ 2/ 1994، فيرتكب مجزرة تزهق أرواح تسعة وعشرين مسلماً. كلٌ منهما، باوزر وغولدشتاين، تجاوز الشرائع السماوية كافة، والأعراف الإنسانية كلها، وإذ ذاك، ليس من مبالغة في القول إنهما لا ينتميان لأي شرع سماوي، فما من خلافٍ حوله، وفق مختلف الثقافات والعقائد، هو أن الخالق عز وجل، كرّم النفس البشرية، التي خلقها، وأجَلَّ مكانتها بأن حرّم إزهاقها، وأمر عباده أجمعين بتهذيبها من نوازع الشر، وتعزيز تقواها بأن تزرع الخير، حيث وُجِدت، وحتى يرث الله الأرض وما عليها.

في مشهد مناقض لسموم كارهي الحياة وزراع الموت، لفتني تحقيق لمجلة «تايم» الأميركية الأسبوع قبل الماضي، عن الجيل الجديد من القيادات الشابة حول العالم (عدد 22/ 10/ 18). ضمن التحقيق، شد انتباهي تقرير عن قطاع غزة كتبته (Clara Nugent) تناول نشاط الشابتين (Rasha Abu Safieh) و(Bassma Ali) - أكتب الأسماء كما أوردتها المجلة. أنشأت الشاباتان موقعَ إنترنت مختصاً بوصل الشباب المتخصص في علوم التقنية الإنترنتية، مع سوق الوظائف في هذا المجال حول العالم، بهدف توفير فرص عمل لهم ولهن. يكفي التأمل في عبقرية الخيال المبدع لدى كل من بسمة ورشا، لكي يسجل المرء كثير احترام وتقدير لجهدهما، الذي يضيء شعلة أمل في مواجهة موت بطيء يتسبب به حصار ظالم مفروض على أهل قطاع غزة. رشا وبسمة متخصصتان في علوم الكومبيوتر، وبعد معاناة مع عدم توفر عمل لهما في مجالهما، ابتكرتا فكرة تأسيس وإطلاق موقع (GGateway) الذي أصبح بوابة تفتح أبواب العمل أمام شباب غزة مع شركات عالمية، ونجح حتى الآن في توفير ستمائة وعشرين وظيفة لشبان وشابات من القطاع.

يُسجل لكل من رشا وبسمة أنهما نجحتا في تطوير موقعهما لكي يحتل موقعاً بارزاً في الإقليم عموماً، وليس في غزة وحدها. شكراً للبنك الدولي، إذ دعم الموقع، في مايو (أيار) الماضي - وفق تقرير «تايم» - بثلاثة ملايين دولار. توقفت أمام هذا الدعم قليلاً، ثم تساءلت، تُرى لو أن فكرة موقع إنترنتي كهذا، أو فكرة مشابهة، عُرضت على متمول فلسطيني يملك إمكانية دعمها مالياً، كيف سيتعامل معها؟ الأرجح أن أول رد فعل سوف يكون السؤال: كيف سيتم رد رأس المال المُستَثمر، وما مقدار الربح الذي سيعود عليَّ؟ بالطبع، كما قيل دائماً، رأس المال الفردي جبان، همّه الأول ما يدخُل جيب صاحبه، وليس ما يُدخِل من فرح في قلوب الناس.

بعد قراءة تقرير «تايم» تذكرت أن المجلة ذاتها، نشرت في تحقيق مماثل لها مطلع تسعينات القرن السابق، نبذة عن شخصية من غزة أيضاً، عدّها التحقيق، آنذاك، ضمن قيادات المستقبل الفلسطيني، خصوصاً أن المعني كان أحد أبرز قادة الانتفاضة الأولى (1989). بالفعل، تسلم القيادي مواقع قيادية مهمة حتى أطاحت «حماس» حكم ضرتها «فتح» في القطاع، وانتهى الأمر بالقيادي نفسه إلى التنافس في ميدان «البزنس» ودنيا الأعمال، إنما من المنفى، وبلا تخلٍ تام عن الطموح السياسي. تلك هي الأيام، تُداوَل بين الناس، إنما تبقى ثروة الدول وأملها، في الشباب. يصح هذا في فلسطين، وفي كل مكان.

أختم بما بدأت. شتان ما بين إجرام كل من روبرت باوزر في بنسلفانيا، وقبله باروخ غولدشتاين في الخليل، وإبداع الشابتين بسمة ورشا في قطاع غزة. الأول سلوك ناتج عن منهج عنصري بغيض يريد إطفاء نور الحياة في الروح البشرية. الثاني وميض شعلة أمل يُبهج نفسَ كل متطلع لغدٍ أفضل، إذ يفتح أبواب المستقبل أمام أجيال الشباب. نعم، ما أوسع المسافة بين صفاء إنسانية الحب بين بني آدم وحواء، وعنصرية البغضاء وأحقاد الكراهية.

نقلًا عن الشرق الآوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محرقة بنسلفانيا وشعلة غزة محرقة بنسلفانيا وشعلة غزة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon