توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السودان على مفترق الطرق

  مصر اليوم -

السودان على مفترق الطرق

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

يشهد السودان حركات احتجاجٍ واسعة تصدرت الأخبار في المنطقة؛ احتجاجاتٌ تنشد الحرية والعدالة والثورة، وتنتهج النهج نفسه الذي جرى سابقاً فيما كان يعرف بـ«الربيع العربي»: جمعاتٌ متتالية، ومظاهرات تخرج من المساجد، ومطالب شعبية مستحقة، ولعبٌ وراء ستارٍ من الخارج، وتحت الأرض من جماعاتٍ منظمةٍ داخليةٍ.
إبّان الربيع الأصولي، قبل نحو ثماني سنواتٍ، كان السودان منخرطاً بالكامل في المشروع الأوبامي - القطري - الإخواني، الساعي لتولية جماعات الإسلام السياسي الحكم في الدول العربية المنتفضة آنذاك، وتفاخر الرئيس بنفسه حينها بأن قوات المعارضة التي دخلت طرابلس الليبية «جزء من تسليحها وإمكانياتها سودانية مائة في المائة»، ومن قبل تحالف النظام السوداني الكامل مع تنظيم القاعدة، وأصل مشروعيته من الأساس هو الانقلاب باسم الإخوان المسلمين والتنظيمات الأصولية.
هذا باختصارٍ شديدٍ جزء من معطيات الماضي، ولكن هل جرت في الساقية مياهٌ أخرى؟ وهل تغيرت الرؤية والسياسة والاستراتيجية هناك؟ هذا سؤالٌ مهمٌ لمحاولة فهم ما يجري في السودان اليوم؛ المؤشرات الآتية من الخرطوم تقول «نعم» و«لا» في الوقت نفسه، ويمكن النظر إلى الجوابين كل على حدة لتقريب الصورة وتسهيل الفهم.
الجواب بـ«نعم» له ما يؤيده من المعطيات. فعلى سبيل المثال، سعت المملكة العربية السعودية إلى تخفيف العقوبات الأميركية على النظام والرئيس في السودان، واستقبلت الرئيس السوداني أكثر من مرة، وكذلك فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة، أقوى حلفاء السعودية في المنطقة، وكذلك فقد أعلن الرئيس انخراط السودان في «التحالف العربي» لدعم الشرعية في اليمن، وأرسل بالفعل آلاف الجنود على الأرض، يشاركون إخوانهم في التحالف لاستعادة اليمن من براثن ميليشيا الحوثي وإيران، هذا أمرٌ.
والأمر الآخر هو إعلان السودان الانضمام لـ«كيان دول البحر الأحمر»، الذي أعلنت عنه السعودية لضم الدول العربية والأفريقية الواقعة على طرفي البحر الأحمر، ويضم السعودية والأردن ومصر والسودان وبقية الدول، وهو انضمام لكيان اقتصادي وسياسي جديد، ما يوحي بتغير مهم يمكن للمتابع أن يرصده بسهولة.
ومن قبل، وفي عام 2014، أعلنت الخرطوم إغلاق المراكز الإيرانية في السودان، وفي هذا انحيازٌ مهمٌ ضد المشروع الإيراني في المنطقة، وضد بسط الهيمنة والنفوذ الإيراني في الدول العربية، ورفضٌ لانتقال نماذج هذا المشروع في لبنان وسوريا والعراق واليمن إلى السودان، وهو قرار يصبُّ في المسار الصحيح.
أما الجواب بلا، فله أيضاً معطياته. فالسودان لم يزل له علاقاتٌ وسياسياتٌ غير واضحة تجاه بعض الصراعات الكبرى التي تجري في المنطقة بشكلٍ كبيرٍ، فهو وإن سعى بجدية إلى الابتعاد عن المشروع الإيراني، فإنه لم يفعل الأمر ذاته بالنسبة للمشروع الأصولي الذي تقوده تركيا وقطر وجماعة الإخوان المسلمين. وهذا المشروع الخطير والمعادي يمتلك علاقاتٍ طويلةً مع الدولة السودانية، والخروج منه يحتاج إلى قراراتٍ أكثر شجاعة وأنصع وضوحاً، وهو ما لم يجرِ بعد.
ما يثير التساؤل أكثر هو زيارة الرئيس التركي، في ديسمبر (كانون الأول) 2017، لجزيرة سواكن السودانية، ومنح الرئيس السوداني هذه الجزيرة لتركيا لتديرها لفترة زمنية غير محددة؛ هذه الجزيرة تقع في مقابل مدينة جدة السعودية، من الجهة الأخرى للبحر الأحمر، فأي رسالة يمكن فهمها من مثل هذا القرار، مع استحضار أن المشروع التركي يمتلك قاعدة عسكرية في قطر، وأخرى مماثلة في الصومال، فلماذا سواكن؟ ولماذا كان هذا القرار السوداني؟ ولمصلحة من؟
الاختلافات في التوجهات السياسية أمرٌ مفهومٌ وطبيعيٌ، ولكن الخلافات تجاه الصراعات الكبرى في السياسة ليست كذلك، بمعنى أن ثمة اختلافات سياسيةً بين السعودية ومصر، على سبيل المثال، ولكنها اختلافات طبيعية ومفهومة بين الحلفاء، وهي ليست بأي شكلٍ مثل التحالف مع مشروعٍ معادٍ له خططه واستراتيجيته، وهي تبرز في الملفات المهمة في المنطقة كافة. ومن هنا، فثمة شكوكٌ حقيقيةٌ يجب التعامل معها.
وكذلك فإن العلاقات السودانية - القطرية غير واضحة المعالم في هذه المرحلة. فهل انفض سامر التحالف القوي إبان ما كان يعرف بـ«الربيع العربي»؟ وهل نفض السودان يده منه نهائياً، أم لم يزل منخرطاً فيه بشكل أو بآخر؟ وفي النهاية، فإن استراتيجيات الدول شأن سيادي لها، ولكنها ليست كذلك في العلاقات الدولية التي تحميها توجهات كبرى تحدد الصديق من العدو، والمحالف من المخالف.
هناك أسئلة أخرى تحيط بهذا السياق، من أهمها السؤال عن استقرار الدولة السودانية نفسها، وهل يوجد بديلٌ أفضل لاستقرار الدولة السودانية في هذه المرحلة، أم أن بعض التيارات المنظمة هناك، وإن لم تكن الأغلبية، لها علاقات مشبوهة، وتمتلك آيديولوجيات متشددة، وهي منخرطة بشكل كبير في المشروع الأصولي التركي - القطري؟ والجواب عنه مؤثرٌ في أي حساباتٍ سياسيةٍ داخليةٍ أو إقليميةٍ أو دوليةٍ تجاه ما يجري في السودان.
ويبنى على هذا السؤال سؤال آخر، وهو أن ما يجري في السودان اليوم له شبه كبيرٌ بما جرى في الربيع الأصولي 2011 في بعض الجمهوريات العربية، وهو تشابه في النهج: مظاهرات تنطلق بعد صلاة الجمعة من المساجد، وخطبٌ وتجمعاتٌ، وتغطيات إعلامية مكثفة، وشعاراتٌ مدنية، ومطالباتٌ حقوقية، واختفاءٌ مشبوهٌ لجماعات الإسلام السياسي، ويتذكر الجميع العمليات الإرهابية التي قامت بها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، من قتل للأبرياء، وهجومٍ على مراكز الشرطة والأمن، والداعم الأكبر لأولئك كان تركيا وقطر... فهل يمكن القول إننا نشهد مرحلة ثانية تديرها الدول نفسها، ولكن ضد السودان هذه المرة؟
الوقوف مع حقوق الشعب السوداني هو أمرٌ مبدئيٌ؛ يجب أن ينال الشعب كل مطالبه المحقة وكل حقوقه الناقصة، وله الحق الكامل في العدالة والإنصاف، ورفض الفساد والديكتاتورية، وأن يرفض الفساد مهما كان شكله ولونه، وأن يحظى بالحياة الكريمة والمستقبل الأفضل، وهذا السياق إنما يتحدث عن أسئلة لا تمس هذه الحقوق، ولا تنقص من هذه المطالب، بل المقصود هو الفهم في التصور والتوصيف.
تاه السودان طويلاً في صراع الهويات الذي أوصلته إليه عقودٌ من حكم الإسلام السياسي، وتنظيرات وفكر حسن الترابي، وتقلباته الفكرية والسياسية، وفيه تنظيماتٌ سرية اعترف بها الترابي علناً، وهي لم تمت بموته، كما هو معروف عن طبيعة هذه التنظيمات.
أخيراً، فعودة السودان لصفه العربي، وتخليه عن كل المشاريع الأصولية والطائفية، وبناء الدولة المدنية الحديثة، هو المخرج الوحيد لكل أزماته.

 

نقلا عن الشرق الاوسط

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان على مفترق الطرق السودان على مفترق الطرق



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon