توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لينين الرملى «يموتنا» من الضحك!

  مصر اليوم -

لينين الرملى «يموتنا» من الضحك

بقلم - نبيـــل عمــــر

 يجبرنا الكاتب المبدع لينين الرملى على هذا النوع من الضحك فى مسرحياته، مع فارق بسيط، هو لا يريد أن نموت من الضحك، هو يدفعنا إلى التفكير ونحن نضحك على أحوالنا، لنسأل أنفسنا ساخرين منها: هل يعقل أن نكون هكذا؟

لأن الضحك عند لينين الرملى لا يخاطب غرائزنا السطحية بنكات وشقلباظات و أفيهات جنسية حارقة وتناقضات فى مواقف هزلية، وإنما هو ضحك عميق يهز عقولنا هزا محاولا أن يطرد منها أتربة عالقة من أفكار صدئة أو مفاهيم قديمة أو مواقف غبية. وفعلا ضحكنا حتى الثمالة فى مسرحيته الأخيرة «اضحك لما تموت» ضحكنا على العجز الضارب فى جزء منا، وضحكنا من الأمل الذى يداعبنا ونحاول الإمساك به.

ولينين مشغول بالمستقبل، لأنه كاتب متمرد على الحاضر الذى يراه مشوها ومنكسرا ، حاضر معوج تسبب فيه عدم فهمنا لتاريخنا، والتاريخ ليس مجرد أوراق صفراء وأضابير وحكايات قديمة، وإنما هو مقدمات ونهايات، تجارب ومعان، أسباب ونتائج، وإذا لم تستغرقنا الحكايات ونتوه فيها، قد نفهم الأسباب وندرك مغزاها، لتوصيف الحاضر التوصيف الصحيح لمشكلاتنا وأزماتنا، ودون ذلك لن نمضى قدما إلى الأمام، فكيف نسير فى طريق لا ندرك معالمه ومساراته؟ وفى «اضحك لما تموت» يلتقط لينين الرملى لحظة فارقة من حياة الوطن، لحظة الثورة على الأوضاع القديمة، فى 25 يناير، لا ينشغل بالفكرة الخبيثة المرهقة للعقول والتى لا طائل من البحث فيها: هل هى مؤامرة أم ثورة؟، لأنه مشغول بالأهم: هل نحن فى حاجة لتغيير حياتنا أم لا؟

ويختار لينين مكانا خاصا تدور فيه الأحداث، شقة مطلة على ميدان التحرير، ميدان يموج بالثورة والشباب والحلم والهتافات والانفعالات والشعارات والمطالب، بينما الشقة تكاد تتوقف فيها الحياة أو تموت عجزا وفشلا بسكانها الذين يبدون خارج الأحداث الصاخبة، صديقان فى أرذل العمر غارقان فى ذواتهما، يأكلهما الفشل الخاص والإحباط الخاص ويتلذذ هذا الاحباط بامتصاص أيامهما قطرة قطرة، إذ يعيش كل منهما وحيدا ضائعا متشرنقا حول نفسه، بل إن فشل وعجز كل منهما تجاوزه إلى أسرته الصغيرة، فتشتت وتمردت عليهما هروبا داخل الوطن أو هروبا خارج الوطن..فالدكتور يحيى يهجره ابنه إلى ميدان التحرير ويقاطعه، وطاهر تهجره ابنته إلى أوروبا متنقلة من بلد إلى بلد ولا تحدثه إلا ثواني، ربما من باب الشفقة وربما لقتل الملل فى لحظة فراغ.

نعم يحيى وطاهر هم الشخصيتان الرئيسيتان فى الرواية، يحيى صاحب الشقة، دكتوراه فى التاريخ، مأزوم حتى النخاع، ربما من الكذب الذى كتبه، ربما من المأساة التى تعرض لها ابوه الذى عزل فى مذبحة القضاة، ربما لوفاة زوجته، وبالقطع لكل هذه الأسباب معا. وهو مريض بــ «كبشة» من الأمراض الخطيرة التى لن تسمح له بالحياة أكثر من شهرين.

وطاهر محبط من البداية، لأنه تخلى عن حلمه بأن يكون فنانا تشكيليا مرموقا، وألقى بنفسه فى فلوس الإعلانات، ليرضى زوجته الثانية، أو هكذا أقنع نفسه، ليبرر فشله، فهو لم يدافع عن حلمه حتى مع زوجته الأولى المكسورة التى كانت طوع بنانه، فلعب بذيله وسقط فى براثن الثانية التى أكلته لحما ورمته عظما، فقرر الانتحار. باختصار نحن أمام شخص على وشك الموت مرضا وشخص على وشك الموت انتحارا، مستسلمين تماما لواقعهما البائس.

فى المقابل نحن أمام شخصين آخرين فى عز شبابهما، يتمردان على واقعهما، فتاة مكسورة الجناح بالشقة تعيش مع يحيى مثل ابنته التقاها من الشارع، وشاب من الثائرين فى الميدان جاءت به الفتاة لتخبئه من أيدى المطاردين الشبيحة.

الحاضر فى مواجهة المستقبل، فإذا كان حاضر البطلين بائسا عاجزا، فالمستقبل يتمرد ويفر من الشقة إلى الميدان. نص درامى جاد يتحول مع كاتب مبدع إلى نص كوميدى له جذور فى مسرح العبث، وفيه بعض ظلال من مسرح صمويل بيكيت، فالحوار لا يمضى منطقيا فى مشاهد كثيرة، وينحرف إلى مسارات عبثية قبل أن يعود مجددا إلى مساره الأصلي، وعبثه من صلب موضوعه وليس خارجا عليه. وهو نص صعب، كان يمكن أن يتسرب إليه الملل بسهولة، فعدد شخوصه محدود للغاية، ثلاث شخصيات رئيسية، وثلاث شخصيات مساعدة، والمكان ثابت والديكور محدود لساعتين وربع الساعة، فكيف يمكن كسر الرتابة فيه؟

هنا يأتى دور المخرج عصام السيد الذى استوعب النص جيدا، وتمكن من تحريك ممثليه داخل خشبة المسرح كلها كما لو أنه يغير ويبدل فى مشاهده، معتمدا على حوار بديع صنعه المؤلف، حوار قصير خاطف، لا توجد فيه جمل طويلة، ولا نصف طويلة، كلها جمل تلغرافية تتسم بالذكاء والسرعة أجبرت المشاهد على المتابعة، منتظرا نتيجة هذا القصف المتبادل بين يحيى وطاهر، القصف الكاشف للنفوس والمآزق التى تحاصرها.

واستخدم عصام أسلوب السينما فى الخيالات التى تطارد البطلين فى خلفية المشاهد، حافظ به على الايقاع والإثارة وانتباه المشاهد. ولعب نبيل الحلفاوى دور الدكتور يحيى الهارب من حياته بخفة ظل فائقة، وأداء هامس يناسب الشخصية العابثة الواقفة على حافة الموت، وهو دور يكشف عن إمكانات ممثل كوميدى حقيقي، وبالرغم من وجود بعض مواقف كان يمكن أن يتحول فيه إلى أداء زاعق حين يواجه ذكرياته التعيسة، لكن حافظ على عدم السقوط فى الأداء الصاخب.

وكان محمود الجندى متألقا فى دور طاهر المهزوم أمام النساء، الفاشل فى حلمه الفنى وحلمه العاطفى وحلمه العائلي، الذى اقنع نفسه بأنه ينوى الانتحار هروبا من الفشل، بينما هو يتمسك بالحياة ويتحايل على عملية الانتحار، وهى قماشة أتاحت له حرية حركة وأظهرت قدراته على تفجير الضحك بين الجمهور. ويتوقف المشاهد عند أداء إيمان إمام، ويراها نجمة قادمة بقوة وثبات، أضافت حيوية وبريقا إلى خشبة المسرح فى دور شربات، فتاة الشارع، ومعها زكريا معروف، وهو مشروع كوميديان جيد فى دور الطبيب. أما سلوى عثمان فهى كعادتها تؤدى ببراعة وخفة دم.

كم أسعدتنا أضواء المسرح القومى وهى تتضوى وتتلألأ وتبدد العتمة من قلب القاهرة.


نقلا عن الاهرام القاهرية

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لينين الرملى «يموتنا» من الضحك لينين الرملى «يموتنا» من الضحك



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon