توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«المعركة الكبرى» لم تكن هناك

  مصر اليوم -

«المعركة الكبرى» لم تكن هناك

بقلم - غسان شربل

سرقت الحرب السورية والحروب التي دارت على أرض هذا البلد، مباشرة أو بالواسطة، أنظار العالم على مدى سنوات. ولا غرابة في الأمر. سوريا دولة أساسية في المنطقة بموقعها، وما يحدث فيها يعني الدول المجاورة وتوازنات الإقليم وتجاذباته ونزاعاته، وبينها النزاع العربي - الإسرائيلي. يضاف إلى ذلك أن سوريا كانت أيضاً مسرحاً لتدخلات الدول الكبرى من مواقع متناقضة ومتنافسة، فضلاً عن معركة واسعة ضد التنظيمات الإرهابية. ولا يغيب أيضاً أن الأحداث في سوريا اعتبرت حلقة من حلقات ما سمي «الربيع العربي». وهي حلقة أنجبت مأساة النازحين واللاجئين، خصوصاً بعدما سلك سوريون كثيرون طريق أوروبا.
كانت الحرب في سوريا مجموعة حروب متباينة المصالح والأهداف، تفترق في محطات، وتتداخل في أخرى. ودفعت حدة المواجهات كثيراً من السياسيين والمعلقين إلى الذهاب بعيداً في التحليلات والمخاوف. بينهم من اعتقد أن «المعركة الكبرى» تدور على أرض سوريا، وأن نتائجها ستحدد موازين القوى الدولية والإقليمية في المرحلة المقبلة، خصوصاً بعدما قلب اللاعب الروسي الطاولة على الآخرين بتدخله العسكري المباشر. وثمة تخوف أن تطلق التدخلات الكبرى في سوريا أزمة شبيهة بأزمة الصواريخ الكوبية في مطلع الستينات، التي وضعت يومها أميركا والاتحاد السوفياتي على شفير مواجهة نووية.
لا أريد أبداً التقليل من حجم الأزمة السورية والمأساة السورية. لم تختتم هذه الأزمة بعد، وإن تكن اتضحت بعض الخطوط العامة لنتائجها. ولا يمكن إنكار أن هذه النتائج ستترك بصماتها على سوريا نفسها وعلى بعض العلاقات في الإقليم. لكن بسبب الطبيعة الداخلية والإقليمية للأزمة، لا بد من التمهل قليلاً قبل إعداد لائحة كاملة بالخسائر والأرباح. فالأقوى في الحرب ليس بالضرورة الأقدر في الإعمار. وحسابات كبار المتدخلين لا تتطابق دائماً مع حسابات حلفائهم المحليين. يضاف إلى ذلك أن منطق الأيام المذعورة يختلف عن منطق الأيام التي لا تشبهها. وهناك من يعتقد أنه من التسرع أن تحتفل هذه الجهة أو تلك بوجودها العسكري على الأرض السورية؛ لأن الشعب السوري ليس معروفاً بتقبل الوصايات أو الرغبة في التعايش طويلاً مع أعلام كثيرة على أرضه.
لا يمكن إنكار أن الأزمة السورية وفّرت لفلاديمير بوتين فرصة مواتية لإبلاغ العالم أن روسيا جديدة قد ولدت على الصعيد الدولي، وأنه على الغرب أن ينسى روسيا المستضعفة غداة الانهيار السوفياتي والمصابة بعقدة أفغانستان، على غرار إصابة أميركا سابقاً بعقدة فيتنام. لكن لا بد من تذكر أن روسيا كانت حاضرة في سوريا قبل تدخلها، وأن أميركا في عهدي باراك أوباما ودونالد ترمب اعتبرت أن الفوز بسوريا لا يستحق إنفاق بلايين الدولارات ودم الجنود الأميركيين. تصرفت واشنطن على أساس أن مرابطة الجيش الروسي في سوريا لا تشكل انقلاباً على موازين القوى، ولم تتعامل مع مجريات المعركة في سوريا بوصفها المعركة الأخيرة أو المعركة الكبرى. وهناك من اعتقد في واشنطن أن سوريا ستتحول عبئاً على المنتصر فيها؛ لأنه سيتحمل عملياً مسؤولية إعادة إعمارها أو الاضطرار إلى توزيع الأرباح على آخرين إذا كان عاجزاً عن القيام بهذه المهمة.
يمكن قول شيء مشابه عن لاعبين إقليميين. فإيران ساهمت عبر «مستشاريها» والميليشيات التابعة لها في منع إسقاط النظام السوري، وتمتلك اليوم حضوراً ميدانياً على الأرض السورية، وربما داخل النسيج السوري نفسه. لكن لا بد من الالتفات إلى أن سوريا ما قبل الحرب كانت حليفاً كاملاً لإيران. ثم إن السؤال الذي يطرح نفسه هو؛ هل مشكلة النظام الإيراني هي في سوريا أم داخل الخريطة الإيرانية؟ وهي اقتصادية بالدرجة الأولى يفاقمها بلوغ الثورة عامها الأربعين مع استمرار رفض الممسكين بقرارها التحول إلى دولة طبيعية أو شبه طبيعية، على غرار ما حدث لثورات أخرى أنقذت نفسها باعتناق منطق الدولة والمؤسسات في الداخل والخارج. تركيا أيضاً وسّعت حضورها الميداني على الأرض السورية، متذرعة بالخطر الكردي على أمنها القومي. لكن هل مشكلة تركيا داخل الأراضي السورية أم مشكلة خيارات داخل الخريطة وخارجها؟ وهل تملك تركيا اقتصاداً يستطيع احتمال أعباء دور إقليمي كبير؟
في لندن يعتقد دبلوماسيون وخبراء أن حروب المواقع الاستراتيجية في العالم فقدت كثيراً من أهميتها السابقة. يرون أن «المعركة الكبرى» المفتوحة لن تدور بالأساطيل والمدمرات والتدخلات العسكرية. لقد تغير العالم. المعركة الكبرى تدور داخل السباق الاقتصادي المحموم. وهي تخاض في الشركات العملاقة والجامعات ومراكز الأبحاث. معارك تدور بأسلحة الابتكار والتجديد والتفوق والانتشار. معارك تحسمها أرقام المبيعات والاستثمارات والقدرة على التنافس.
يتحدث هؤلاء عن النتائج الأولية لـ«المعركة الكبرى» الفعلية. وهي تشير إلى أن المعركة ستستمر في السنوات المقبلة بين 5 كتل اقتصادية مؤثرة. هي الصين وأميركا والهند وأوروبا وروسيا. ويركزون على أن هذا السباق الذي لا هوادة فيه سيتأثر بمجموعة عوامل. هي التكنولوجيا والسكان والاقتصاد بمجمله والقدرة العسكرية. يشيرون في هذا السياق إلى تراجع ياباني محتمل، تحت وطأة شيخوخة المجتمع، وإلى افتقار البرازيل وجنوب أفريقيا إلى عناصر ضرورية لدخول نادي الخمسة، بينها حجم الكتلة السكانية.
تدور «المعركة الكبرى» بين اقتصادات ضخمة وشركات عملاقة. لهذا يتوقف المراقبون عند الحرب التجارية بين الصين وأميركا ومعركة خدمات الجيل الخامس للإنترنت. وهذا ما يفسر القلق الأميركي والغربي من شركة «هواوي» الصينية، وهي ثاني شركة اتصالات في العالم. فهذا النوع من الشركات قادر على أن يلحق بالدولة المنافسة أضراراً تعجز عنها الجيوش.
إننا في عالم جديد، شئنا أم أبينا. ما دار على الأرض السورية كان مهماً، لكن «المعركة الكبرى» لم تكن هناك.

 

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«المعركة الكبرى» لم تكن هناك «المعركة الكبرى» لم تكن هناك



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon