توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قمة الأرجنتين ورياح الواقعية

  مصر اليوم -

قمة الأرجنتين ورياح الواقعية

بقلم - غسان شربل

كان طبيعياً أن يتابع العالم باهتمام أعمال قمة العشرين التي عقدت في بوينس آيرس. ولا مبالغة في القول إن القمة تشبه اجتماع مجلس إدارة العالم. المشاركون فيها يمثلون ثلثي سكان العالم، و85 في المائة من إجمالي الناتج العالمي. لقد تحلق حول الطاولة ممثلو أقوى الاقتصادات في العالم، وبعضهم يمثل الدول الأكثر تأثيراً على الصعيد السياسي، فضلاً عن الجيوش الأكثر تطوراً.

ولم تكن سيناريوات التشاؤم غائبة تماماً. ثمة من كان يخشى أن تعجز القمة حتى عن إصدار بيان في ختام أعمالها. وهناك من ذهب حدّ التكهن بأن محطة بوينس آيرس ستطلق الحرب التجارية بين أميركا والصين على مصراعيها. وتخوف آخرون من أن يكون العالم مندفعاً إلى أزمة مالية أكثر حدة من تلك التي أدت إلى ولادة هذا التجمع الضخم قبل عشر سنوات.

لم تصدق توقعات المتشائمين. كانت الخلافات واضحة على الطاولة، وهي تشمل استراتيجيات ومفردات ومقاربات. لكن لم يُظهر أي فريق رغبة في التصعيد، وتحميل الاقتصاد العالمي أثقالاً إضافية. يمكن القول إن قدراً من الواقعية رافق البحث في الخلافات، وإن انعقاد القمة في بلاد التانغو شجّع كل فريق على الالتفات إلى حسابات شريكه ومخاوفه، وضرورة توفير قدر من الانسجام مع خطواته.

موضوع عربي استأثر باهتمام الصحافيين والمتابعين للقمة، وهو مشاركة السعودية بوفد يرأسه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ومبعث الاهتمام أن جهات أشاعت أن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي سيدفع بلاده إلى قدر من العزلة على الصعيد الدولي. إنها الجهات نفسها التي بادرت، ومنذ اللحظة الأولى، إلى استغلال جريمة القتل التي تعهدت القيادة السعودية بمعاقبة مرتكبيها. على مدى شهرين، أطلقت هذه الجهات حرباً من التسريبات والشائعات بهدف النيل من موقع السعودية ودورها، ومن موقع ولي العهد ودوره.

ولا مبالغة في القول إن مشاهد قمة العشرين أصابت هذه الجهات بخيبة ونكسة. كانت المصافحة الودية والحميمة بين بوتين ومحمد بن سلمان رسالة واضحة، وسرقت الأضواء مما كان يجري حولها. وترافق اللقاء بين الرجلين مع الإعلان عن تمديد اتفاق خفض إنتاج النفط. وحرص بوتين على الإشادة بالدور المسؤول الذي تلعبه السعودية، ودور ولي العهد في ضمان تنفيذ هذا الاتفاق. الرسالة الأخرى جاءت على لسان الرئيس الصيني، خلال لقائه ولي العهد السعودي، فقد أكد أن استقرار السعودية يمثل حجر الزاوية لازدهار الخليج وتقدمه، وأن الصين تؤيد الرياض بشدة في حملتها للتنويع الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي. أظهرت اللقاءات الواسعة التي أجراها الأمير محمد بن سلمان حجم تقدير الدول الكبرى والمؤثرة للدور المسؤول الذي تقوم به السعودية في مكافحة الإرهاب والتطرف، وضمان استقرار الاقتصاد العالمي، وحجم التقدير لعملية الإصلاح والتحديث التي تشهدها المملكة.

بين ولادة مجموعة العشرين ومؤتمرها الأخير، تغيرت أشياء كثيرة في العالم؛ تأكد الصعود الآسيوي، واستحقت الصين موقع الاقتصاد الثاني في العالم. عززت روسيا حضورها السياسي والعسكري في العالم، من دون أن تتمكن من إحداث قفزة نوعية يحتاجها اقتصادها. يضاف إلى ذلك أن العلاقات الأوروبية - الأميركية تجتاز امتحانات متواصلة منذ فوز دونالد ترمب بالبيت الأبيض، هذا عدا أن الأسرة الأوروبية نفسها تعاني من أمراض التفكك والوهن.
تغيرت أشياء أخرى: أزمة المناخ باتت أكثر إلحاحاً، ولم يعد العالم يملك ترف إرجاء المعالجات إلى عقود مقبلة. وتزايد القلق من أمواج هائلة من العاطلين عن العمل سيطلقها التطور التكنولوجي وقدرة الآلة على الاضطلاع بمهام أكبر وأوسع. ولهذه المشكلة آثارها الأكيدة على الاستقرار والازدهار معاً. وهناك الهاجس الدائم المتعلق بإنتاج الغذاء، فضلاً عن شعار القمة نفسها، وهو «بناء توافق من أجل التنمية العادلة المستدامة».

كانت المحطة الأميركية - الصينية بين أبرز ما شهدته المداولات على هامش القمة. فقد خرج ترمب من اجتماعه مع الرئيس شي جينبينغ ليصف اللقاء بأنه «رائع ومثمر، ويفتح مجالات غير محدودة أمام الصين والولايات المتحدة». وحرص الجانب الصيني على القول إن النتيجة «مربحة للطرفين». وعلى الصعيد العملي، توصل الجانبان إلى هدنة لمدة ثلاثة أشهر في الحرب التجارية بينهما، التي تهدد الاقتصاد العالمي. ففي موازاة موافقة واشنطن على تجميد قرارها رفع الرسوم الجمركية على بضائع صينية، وافقت بكين على شراء كميات «لم تحدد بعد، لكنها كبيرة جداً» من السلع الأميركية. وهذا يعني أن ترمب يعطي فرصة للتوصل إلى اتفاق يطوي صفحة الحرب التجارية، وأن الصين تقر في المقابل بوجود خلل في التبادل التجاري يمكن تصحيحه.

في المحطة الأميركية – الروسية، كانت العودة إلى التانغو صعبة. التصعيد الأخير بين روسيا وأوكرانيا لم يترك لترمب خيارات كثيرة، في ضوء نتائج الانتخابات النصفية، واتخاذ كثر في الكونغرس موقف المتربص، خصوصاً بالنسبة إلى الخيط الروسي الذي بدأ الحديث عنه غداة دخول ترمب البيت الأبيض. ألغى ترمب لقاءه المقرر مع بوتين، لكنهما تحادثا سريعاً على الهامش، وبدا أن سيد الكرملين يتفهم ظروف الرئيس الأميركي، لهذا اكتفى بعد الإلغاء بالتشديد على أن الحوار ضروري، وسيستأنف حين يصبح الجانب الأميركي جاهزاً.

لم يكن متوقعاً أن تطوي قمة بوينس آيرس الملفات الخلافية بين المشاركين، لكن يمكن القول إن رياح الواقعية هبّت على أسلوب التعامل مع هذه الخلافات، ما يعطي العالم فرصة لالتقاط الأنفاس، والتفرغ لتوسيع ما هو مشترك في التصورات حول الوضع الاقتصادي العالمي، وحول التوترات السياسية بين الدول الأعضاء. قدر من الواقعية وقدر من روح التانغو في بلاد التانغو.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قمة الأرجنتين ورياح الواقعية قمة الأرجنتين ورياح الواقعية



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon