توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إقليم منكوب وزحمة حروب وأطباء

  مصر اليوم -

إقليم منكوب وزحمة حروب وأطباء

بقلم - غسان شربل

لا نعرف كيف استقبل أبو بكر البغدادي السنة الجديدة في مخبئه. أغلب الظن أنه يحاول الاستعداد للثأر. «دولته» العتيدة تبخرت تحت ضربات أطراف كثيرة، في مقدمها التحالف الذي قادته الولايات المتحدة. تأكد بما لا يقبل الشك أن الإرهاب يُشطب من المعادلة حين يقيم تحت عنوان معروف. لهذا بدا رهانه واضحاً في الفترة الأخيرة على الذئاب المنفردة. تبخرت «الدولة» وقتل الكثير من إرهابيّيها. قسم آخر بدأ رحلة البحث عن ساحة أخرى طازجة. القسم الثالث بات محاصراً وينتظر مصيره المعروف. ذهبت أيام المواكب التي تجتاز تحت راياتها خط الحدود السورية - العراقية، التي ألغاها «داعش». وذهبت أيام الاستيلاء على مدن وآبار وحقول. وذهبت أيام حز الأعناق لتنشغل بها الشاشات.
هذا لا يعني أبداً أن «داعش» لم يعد تنظيماً خطراً. لكن الأكيد هو أن «داعش» لم يعد الموضوع الأول في الشرق الأوسط المريض، ولم يعد الخطر الأول. كشفت المغامرة الدموية للتنظيم أن المنطقة تختزن كماً هائلاً من النزاعات المشتعلة والكامنة، وأن الشرق الأوسط يعبر مرحلة انهيارات وتحولات، وأن عوامل التفجير لا تقتصر على التحرشات بين الخرائط، بل تتعداها إلى داخل الخرائط التي تعيش غالباً في ظل غياب مفزع للمؤسسات وصمامات الأمان.
منطقة تجتاز سلسلة صعبة من المنعطفات الحادة، ولا تجد فكرة ترشد، ولا عصا موثوقة تتوكأ عليها. مرحلة ضباب ودم وخوف وغموض وأزمات حدود ووجود وسكاكين شحذها التاريخ، وأخرى تستعد. حروب أدوار، وحروب حقوق، وحروب استئثار، وحروب هويات. بقرت مغامرة «داعش» أحشاء هذا العجوز الذي نسميه الشرق الأوسط، فتدفقت الأهوال. أزمة علاقة بالعصر وقاموسه في ظل تمسك لافت بقواميس لا تصلح لزمن الثورة الصناعية الرابعة والأجيال الجديدة من ثورة الاتصالات. وأزمة تعايش بين خرائط يعتبرها أصحابها ثوباً ضيقاً مفروضاً. وأزمة تعايش داخل الخرائط نفسها بسبب ميل مزمن إلى اللون الواحد واعتبار كل اختلاف تهديداً يستحق الشطب.
لا مبالغة في اعتبار إقليم الشرق الأوسط إقليماً منكوباً. منكوب بالفقر والبطالة والفساد وغياب الدولة الطبيعية والثقافة الرحبة للعيش. منكوب بشهيات قديمة لدول تزعم أن التاريخ عاقبها وقلّصها وحاصرها داخل ما تسمى حدودها الدولية. ومنكوب بتعليم ينتمي إلى زمن انقضى، وجامعات تخرج متمرسين في المرارات ومشاعر الإحباط. منكوب بالظلم الذي لا يقتصر على الفلسطينيين والأكراد. وبالذين يبحثون عن أمنهم خارج حدودهم، وبتهديد سيادة جيرانهم وأمنهم. منكوب أيضاً بعلاقة متوترة مع العالم، فإما الصدام المكلف، وإما الإحباط الباهظ. ومنكوب بمتعة الحروب الصغيرة والأوهام الكبيرة وافتقار فكرة التقدم إلى الشعبية والجاذبية.
ليس بسيطاً على الإطلاق ما شهدناه ولا نزال. دارت على أرض سوريا سلسلة من الحروب، وبعضها لا يعد بنهاية قريبة. لقد شاهدنا حرباً بين سوريين معارضين وسوريين موالين. ثم شاهدنا سوريا تتحول جرحاً مفتوحاً تدفق إليه المتطرفون والإرهابيون، وهكذا اتخذ النزاع الدائر هناك منحى آخر. شاهدنا كل أنواع التدخلات في دولة انهار استقرارها واستبيحت حدودها.
شاهدنا إيران تتقدم للدفاع عما تعتبره الحلقة السورية في الهلال الإيراني. حلقة حيوية تضمن لإيران المرابطة على جبهة أخرى من جبهات النزاع العربي - الإسرائيلي، وتشكل المعبر الذي لا بدَّ منه لإيصال الصواريخ إلى «حزب الله» اللبناني. أرسلت إيران «مستشاريها» وميليشياتها. اجتذب التدخل الإيراني مزيداً من التدخلات المضادة حين اعتبرت سوريا المسرح الأول لمجابهة مذهبية أو إقليمية.
لم يلتفت كثيرون إلى خصوصية التركيبة السورية والفروقات بين الجيش السوري ونظيريه في مصر وتونس ووقعوا في خطأ التقدير أنها مجرد حلقة جديدة من «الربيع العربي» ستتمخض عن نتائج مشابهة.
وفي خضم الصراع، رفض باراك أوباما الانخراط في النزاع السوري ليلة الحديث عن انتهاك «الخط الأحمر» في موضوع الكيماوي. أعطى الانطباع أن أميركا لا ترى في سوريا ما يستحق إنفاق دم الأميركيين وبلايينهم. في المقابل كانت لفلاديمير بوتين حسابات أخرى. رأى في الجرح السوري فرصة للتقدم خطوة جديدة في الانقلاب الذي يقوده ضد ما يسميه تفرد الولايات المتحدة في شؤون العالم. لبوتين حساب صعب مع «الربيع العربي» كان لا بدَّ من تصفيته. تدخل الجيش الروسي، وأنقذ النظام السوري، وبدأ فصل جديد من النزاعات على الأرض السورية. لم تقتصر حرب بوتين على مواجهة «داعش» وإخوته، بل شملت أيضاً المنظمات المعارضة، مع فصل خاص باستهداف المقاتلين الوافدين من الجمهوريات التي مزقت العباءة السوفياتية وفرّت منها.
تركيا التي فتحت الحدود أمام المتشددين الراغبين في محاربة نظام الرئيس بشار الأسد استدرجها التفكك السوري لاحقاً، أو كان بين الأعذار التي لجأت إليها. أرسلت جيشها إلى داخل الأراضي السورية لإجهاض حلم الأكراد بما يشبه الإقليم، ولتكون حاضرة إلى أي طاولة ستقرر لاحقاً مستقبل سوريا.
أميركا ترمب رابطت في شرق الفرات مع حلفاء غربيين. واصلت مواجهة «داعش» وتعزيز قدرات الأكراد، وتطلعت إلى إقامة قدر من التوازن مع الوجود العسكري الروسي صاحب القرار الأول في دمشق. إسرائيل بدورها شنت حرباً متواصلة على ما سمته محاولة إيران إنشاء بنية عسكرية دائمة في سوريا. وفي موازاة ذلك مزق ترمب الاتفاق النووي بين إيران والدول الست، وأعاد طهران إلى زمن العقوبات. الأمر الذي زاد الالتهاب في اليمن، وأنعش التوتر في العراق.
لا الطبيب الروسي يملك حلاً كاملاً بمفرده، ولا الطبيب الأميركي يملكه. تدخلات الطبيب الإيراني تفاقم حالة المريض، والأمر نفسه بالنسبة إلى الطبيب التركي. فوق هذا المشهد المكتظ بالحروب والأطباء يجول وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لتبديد الانطباع أن قرار ترمب يعني ترك الإقليم المنكوب لمصيره. مهمة استثنائية لبومبيو تشمل توزيع الأفكار والتعهدات، فضلاً عن الضمانات والضمادات.

 

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إقليم منكوب وزحمة حروب وأطباء إقليم منكوب وزحمة حروب وأطباء



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon