حقيقة على الجميع أن يواجهها وهى أن أسعار الوقود والكهرباء ستشهد زيادة لا محالة، نتيجة لصعود أسعار النفط عالميا، واتساع فجوة الدعم الحكومى بما يهدد بعجز متفاقم فى موازنة الدولة.
الحكومة لا تملك سيناريو بديل عن زيادة أسعار الوقود، الرفا��ية المالية المطلوبة لاستمرار الدعم بهذا المستوى غير متوفرة، كما أن التزامنا بتطبيق برنامج إصلاحى وطنى منضبط مع المؤسسات الدولية، وخاصة صندوق النقد الدولى يحتم علينا عدم إرجاء أية قرارات تتعلق بمصير السلامة المالية فى الاقتصاد.
وبالتالى فنحن أمام «أمر واقع» لابد أن نتعامل معه بشكل سريع، ولا نترك الأمر للمفاجآت التى اعتدنا عليها خلال الفترة الماضية.
كلٌ منا عليه أن يعيد ترتيب أولوياته فى الإنفاق من ناحية، ويخفض من استهلاكه قدر الإمكان من ناحية أخرى، إلى جانب ضرورة تكثيف البحث عن مصادر دخل إضافية أو زيادة دخله، حتى يستطيع التأقلم مع مستويات الأسعار الجديدة، سواء فيما يتعلق بالوقود تحديدا أو بمختلف السلع التى ستتأثر بزيادته.
المواطن مطالب بأن يكون أكثر كفاءة فى إدارة دخله خلال الفترة المقبلة، فلا ينبغى أن يلتزم بأقساط مالية تؤثر على قدرته المعيشية فى المستقبل، ولا ينبغ�� أن يرسم حدود نفقاته فى ظل مستويات الأسعار السائدة التى لا تعبر عن التكلفة الحقيقية لتلك السلع.
وعلى الرغم من صعوبة الموقف، وارتفاع التكلفة التى سيدفعها كل منا خاصة أهل الطبقة الفقيرة والمتوسطة إلا أنها تمثل السبيل الوحيد نحو المرور إلى مستقبل أفضل، وتحسين مؤشرات أداء الاقتصاد وتوفير المزيد من فرص العمل والإنتاج.
وعلينا جميعا أن ندرك أن جميع الدول المتقدمة التى نشير إليها الآن ونقارن أنفسنا بها بعبارات «ليه مانكونش زى ألمانيا أو اليابان أو أمريكا»، مرت بنفس الظروف الصعبة التى نمر بها نحن الآن، وطبقت إجراءات أكثر صعوبة من تلك التى نطبقها نحن حاليا.
فتلك الدول لم تبدأ تجربتها التنموية فى ظروف أفضل من الظروف التى نمر بها، بل كانت ظروف أسوأ بمراحل، نتيجة خروج هذه الدول من الحرب مُدمرة ومفتقدة لكافة مواردها وقدرتها على الصمود أمام المجاعات والصراعات الأهلية التى نشبت بداخلها.
بينما نحن نبدأ تجربة تنموية حقيقية فى ظل ظروف أفضل تشير إلى استقرار سياسى وأمنى كبير، وتحسن سريع فى أداء الاقتصاد وفى مؤشرات استجابته لجهود الإصلاح.
وهذا يدل أن الإجراءات التى تطبقها مصر حاليا من أجل الإصلاح المالى والهيكلى هى أقل حدة من الإجراءات التى طبقتها دول أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال.
السبب الرئيسى فى نجاح تلك الدول فى بلوغ أهدافها التنموية، وتحسين المستوى المعيشى لمواطنيها هو تفاعل المواطنين مع الحكومة، والإجماع على هدف واحد وهو تحقيق الصالح العام وتغليب مصلحة الأمة على مصلحة الفرد، فتشارك الجميع فى تحمل تكلفة الإصلاح، وتشاركوا أيضا فى الروح المقاتلة التى تضحى وتبنى وتتطور بدون توقف أو كسل.
ولكى نصبح فى مصر نموذجا مثل تلك النماذج العالمية الناجحة، على الحكومة أن تُحدِث من خططها المستقبلية باستمرار، وأن تراجعها لتتأقلم مع الم��غيرات الجديدة التى تطرأ، وأن تصارح الشعب مصارحة تامة بمستقبل تلك الخطط والقرارات المتوقعة فى ضوئها.
وذلك حتى تقيد من الشائعات التى أصبحت بمثابة لغة سائدة بين جموع الشعب، وذلك نتيجة صمت من بيده التأكيد أو النفى فى كثير من الحالات.
وهنا يستغل أصحاب النفوس الضعيفة هذا الصمت فى وصف الإصلاح بأبشع العبارات، والتقليل من قوة الاقتصاد، وبث روح السلبية واليأس فى قلوب الشباب، حتى يتوقفوا عن الابتكار والعمل.
وينبغى أيضا أن تقوم الحكومة بتكثيف الدعم بالنسبة للطبقات الفقيرة، مع كفالة دعم بنسب معينة للطبقة المتوسطة التى تشارك هى الأخرى بشكل كبير فى تحمل تكلفة الإصلاح، دون أن يناظر هذه التكلفة زيادة بنفس النسبة فى الدخول.
والأهم من وجهة نظرى من إجراءات الحماية الاجتماعية، هو الرقابة المشددة على الأسواق؛ لضمان عدم مبالغة التجار والبائعين فى زيادات أسعار السلع مع كل زيادة فى أ��عار الوقود.
المواطن هو الآخر مطالبٌ بدور رئيسى لدعم خطط الإصلاح وتقييد الآثار السلبية الناجمة عنها، أهمها العمل المكثف والمستمر، والتحوّل للإنتاج والتفاؤل من حالة الكسل واليأس.
ومراجعة جدول الاستهلاك بشكل مستمر، وزيادة الاعتماد على المواصلات العامة كبديل للسيارات الخاصة التى تستنزف جزءا كبيرا من ميزانية المواطن مع كل زيادة فى أسعار الوقود.
هذا هو الحال فى كل دول أوروبا، فأبناء الطبقة المتوسطة يستخدمون المواصلات العامة، ويتنقلون بين العمل والمنزل بدراجاتهم، ويوفرون بشكل كبير من استهلاكهم لأغلب السلع التى تُصنف ضمن سلع الرفاهية أو الكمالية. وذلك لصالح تدبير احتياجاتهم الأساسية، وإدخار جزء من دخولهم للمستقبل.
الخلاصة أن المركب انطلقت وجميعنا بداخلها، فإما أن نصل للبر بتحقيق التنمية الاقتصادية السريعة والمبنية على أسس هيكلية صحيحة تضمن استدامتها، وهو الهدف المطلوب، أو أن نغرق جميعاً ولا يصل أحد!
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع