توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شراكة عربية أوروبية رغم بعض التباينات

  مصر اليوم -

شراكة عربية أوروبية رغم بعض التباينات

بقلم : د. حسن أبوطالب

مع اتفاق القادة العرب والأوروبيين على أن تكون هناك قمة تالية بعد ثلاث سنوات، وأن تعقد فى بروكسيل 2022، تبدأ بالفعل عملية تأسيس لشراكة ذات طابع مستدام، وليست مجرد طرح افتراضى بلا أساس، أهمية تعميق العلاقات العربية الأوروبية لا يمكن إنكارها أو التخفيف منها، فهى رغم كل الخلافات والتباينات لها أسس تاريخية وثقافية واجتماعية مشهودة، فضلاً عن مصالح اقتصادية مشتركة عريضة جداً ومؤهلة لكى تكون أكثر اتساعاً وشمولاً فى السنوات المقبلة، وتكاد تكون مفردتا الحوار وتعزيز الشراكة هما القاسم المشتركة بين الطرفين، والفكرة هنا أن الحوار يؤهل لتفهم الآخر بدون توجيه اتهامات أو ممارسة قدر من الاستعلاء من طرف على آخر، ومن ثم تفهم مجمل الظروف التى يمر بها وتشكل حاضره وتسهم فى استقراره بما يتناسب مع العناصر العامة لثقافته الذاتية، أما تعزيز الشراكة فهى تبنى على التفاهم المتبادل من جهة، وتقوم على إرادة الفعل من جهة أخرى، إذ بدون فعل وإرادة لن يؤدى التفاهم المتبادل تجاه قضية ما إلى تطوير هذا التفاهم، وإلى تحقيق مساحات أوسع من المصالح المشتركة.

ولعل هذا هو أهم حصيلة خرجت بها القمة العربية الأوروبية الأولى بشرم الشيخ، فجزء منها يتعلق بالحاضر وهو الحوار، والجزء الآخر يتعلق بالمستقبل وهو إرادة تحقيق الشراكة، وما دام هناك حوار، يعد الأمر بمثابة اعتراف بوجود تباينات فى الرؤية، وهو ما بدا فى الأولويات التى عبر عنها كل طرف، ومن مجمل كلمات القادة العرب يتضح أن الرؤية العربية للاستقرار تتضمن خمسة أبعاد متكاملة، أولها حل القضية الفلسطينية وفق المرجعيات الدولية ومبدأ حل الدولتين، والثانى مواجهة الإرهاب والفكر المتطرف والدعاية السوداء اللصيقة به والتعاون الدولى فى مواجهته، والثالث يتعلق بمواجهة التدخلات الإقليمية فى الشئون العربية، التى تعزز المسلحين والمتطرفين، والرابع تجميع الجهود من أجل حل النزاعات العربية سلمياً وفق المقررات الدولية، والخامس الحفاظ على الدولة الوطنية باعتبارها أساس الدفاع المشروع عن الحق فى الحياة.

أما الجانب الأوروبى فقد ركز بدوره على أولويات مختلفة، أبرزها مواجهة الهجرة غير القانونية مع الترحيب بالهجرة المنظمة والآمنة، التى تتفق مع القوانين الأوروبية، والتركيز على مفهوم حقوق الإنسان من زاوية حرية الرأى والتعبير كأساس للديمقراطية والمشاركة السياسية، والتركيز على تطوير الجوانب المجتمعية من خلال التعليم وتشجيع الاستثمارات وخفض البطالة، وأن الاختلافات والاضطرابات فى الرؤى لا تمنع التعاون المشترك لمواجهة التحديات.

وبالرغم من بعض المداخل المختلف عليها تجاه عدد من التحديات، جاءت القمة لتؤكد حقيقة اتفاق الطرفين على المصير المشترك من ناحية، وأهمية عدم ترك المنطقة العربية مجالات لجذب قوى بعيدة عنها لتتحكم فى مصيرها، وبالتالى تنازع أوروبا ومصالحها العريضة فى المنطقة العربية، وأهمية هذا العنصر تتضح أكثر فى ضوء التحركات الأمريكية المنفردة وأولوياتها الجديدة التى تتجه إلى آسيا فى الوقت الذى تنسحب فيه من الشرق الأوسط، وهو الذى يمثل مجالاً حيوياً لأوروبا كلها، ولعل هذا الأمر يفسر حرص هذا العدد الكبير من القادة الأوروبيين على المشاركة فى هذه القمة بمن فى ذلك رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماى، التى تعد بلدها للخروج من الاتحاد الأوروبى فى الأشهر القليلة المقبلة، وهنا يبدو شعار القمة «الاستثمار فى الاستقرار» مثيراً للاهتمام وللتساؤل أيضاً، وهو أى استقرار يتم الحديث عنه؟ وما هو الاستثمار المطلوب لتحقيقه؟ والواضح أن معنى الاستقرار المقصود أكبر بكثير من مجرد قبول بقاء النظم العربية على ما هى عليه، أو تسوية الأزمات الكبرى فى سوريا وليبيا واليمن، وبالتالى فإن الاستثمار هنا ليس وقفاً على ضخ الأموال والاستثمارات ونقل التكنولوجيا وزيادة التبادلات التجارية من طرف إلى آخر، أو مجرد التنسيق فى أزمات إقليمية ودولية معينة، فالاستقرار متعلق أساساً بالتنمية الشاملة والمستدامة ونطاقات العمل المشترك التى تحقق مصالح الطرفين العربى والأوروبى، وتسمح باتساعها وصمودها فى وجه التحديات، والأخيرة بدورها هى جزء أساسى من تحقيق الاستقرار بمعناه الشامل، السياسى والأمنى والاقتصادى والمجتمعى والبيئى إلى آخر مفردات الحياة المشتركة التى لا يجوز إهمالها أو النظر إليها باستخفاف.

لقد أصاب الرئيس السيسى فى كلمته الختامية حين أكد أن ما يجمع بين العرب وأوروبا أكبر مما يفرقهم، وأن المطلوب هو تحويل النزاعات إلى نجاحات وتعزيز المشتركات الإنسانية، وبالتالى فإن وصف القمة العربية الأوروبية باعتبارها منصة جديدة لإعادة صياغة العلاقات العربية الأوروبية يبدو أقرب إلى الصحة من أى شىء آخر، وهى منصة تفاعلية تشاركية سوف تحتاج إلى متابعة ومثابرة ولقاءات متعددة على مستويات عدة وذات طابع جماعى وثنائى، وإلى تبادل دائم للأفكار والآراء حول كل القضايا والهموم الموجودة سواء المتفق على أسسها أو التى ما زالت متباعدة جزئياً أو كلياً، وكذلك القضايا الجديدة التى ستنشأ بفعل الاشتباك مع المستقبل ومستجداته، وبالتالى فهى خطوة كبرى إلى الأمام ولكنها لن تكون كافية فى حد ذاتها، ولتحقيق النجاح المنشود من كلا الطرفين، يبدو هناك عبء أكبر على الأمانة العامة للجامعة العربية ومفوضية الاتحاد الأوروبى والمجلس الأوروبى لتنظيم عملية الحوار والبناء على ما اتفق عليه من جهة، وتخفيف حدة التباينات فيما لم يتفق عليه بعد، أو لم يجد التفهم المناسب من قبل الطرف الأوروبى.

فى هذا السياق يبدو عدم قبول الطرف الأوروبى تضمين البيان الختامى ملاحظات السعودية والإمارات والبحرين بشأن رفض التدخلات الإقليمية فى البلدان والأزمات العربية، مجرد مثال لما يمكن أن يكون أساساً لحوار عاجل، يتضمن شرح أهمية رفض وإدانة كل التدخلات غير القانونية التى يطمح من خلالها أصحابها إلى اكتساب مواقع للنفوذ والتأثير فى الشأن العربى على حساب الشعوب ومصالح الدول، ومثال آخر، طالما تحدث عنه الرئيس السيسى وشرح أبعاده مراراً وتكراراً وتعلق بأولويات تمكين الدولة الوطنية عربياً فى مواجهة قوى الإرهاب والتطرف بدون تجاوز لحقوق الإنسان وفقاً للقوانين والدساتير العربية، ومثال ثالث يمكن أن يبحث فيه العرب والأوروبيون عن البدائل الخطيرة لتجاهل حل الدولتين للقضية الفلسطينية، وأهمية الدفع بقوة لإنشاء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، ويمكن أن تضم هذه الحوارات المستقبلية قضايا التعاون فى المواجهة الجماعية لظاهرة الإرهاب بكل عناصرها الميدانية والفكرية، وتعزيز الاقتصادات العربية لمواجهة الأجيال الجديدة من التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى، وقضايا عديدة تمس الطرفين فى العمق.

نقلا عن الوطن

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع   

 

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شراكة عربية أوروبية رغم بعض التباينات شراكة عربية أوروبية رغم بعض التباينات



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon