توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حكايات السبت

  مصر اليوم -

حكايات السبت

بقلم - محمد السيد صالح

أراد قمبيز ملك الفرس، أن يعاقب كهنة آمون والذين تنبأوا بأن يُهزم ويفنى جيشه فى مصر، فخرج بقواته قاصداً سيوة لكى ينتقم من الكهنة لكنه تاه هناك وابتلعه بحر الرمال ولم يُعثر له على أثر حتى الآن. استوعب الأسكندر الأكبر الدرس جيداً واستمع لنصائح كهنة آمون بأن يذهب لمعبده فى الواحة ويتحدث مع الإله فى معبد التنبؤات.

قيل إنه بُشر بفتح العالم لكنه سيموت شابًا.. وغير من مظهره وصوره ولقبه ليصبح ابن آمون. استوعب ملوك ورؤساء سياسيون وزعماء الدرس جيداً.. درس سيوة والصحراء وقدسيتها.. ولازال آخرون أقل من مستوى التحدى!

المسافة من القاهرة لواحة سيوة فى حدود الثمانمائة كيلو، ربما تزيد المسافة قليلاً. زرتها مرات عديدة، لكنها هذه المرة لمهمة صحفية خالصة. بدعوة من الخبير البيئى والسياحى الدكتور منير نعمة الله وشركته «نوعية البيئة الدولية» ومساعديه الاستشاريين الصديقين عماد فريد ورامز عزمى لحضور انطلاق مشروع إحياء وترميم مدينة شالى الأثرية بالواحة، وهو مشروع ممول من الاتحاد الأوروبى. وقبل أن أصل إلى هذا الجزء من الموضوع، أؤكد أنه قد هالنى حجم الإهمال فى الطريق الوحيد الموصل للواحة من مرسى مطروح. طريق طوله ثلاثمائة كيلو «فردى» نصفه قيد التطوير والإصلاح من شهور طويلة. وقد شهد حوادث خطيرة بسبب حمولات سيارات النقل الثقيل التى تحمل الملح من الواحة للتصدير. كان الطريق أفضل من ذلك. كانت سيوة أكثر اتساقا مع طبيعتها كواحة ومحمية طبيعية.

زحفت العشوائية والبيوت الأسمنتية الكئيبة وانحسرت البيوت التقليدية المبنية بالكرشيف، فى ظل غياب تام لأجهزة الدولة.

زرت فندق «أدرير أملال» مرتين من قبل، بل إنى صورت الجناح الذى نزل به الأمير تشارلز وزوجته كاميلا قبل عشر سنوات تقريبًا. وصار مقصداً للسياح. هذه المرة دخلته مساءً، وما أدراك ما المساء فى «أدرير أملال» هو السحر كله. ظلام شاعرى، ونجوم وكواكب الخريف تشكل لوحة فاتنة يتوارى بعضها خلف جبل جعفر بقمته الشهباء، وتغازل منحنيات ثنايا بحر الرمال الأعظم فى الغرب. لن يشتت أى ضوء عشوائى تركيزك من السماء أو من داخلك.

لا أصوات غير صوتك أو رفيقك فى ملكوت المكان. الفندق البيئى الأشهر فى العالم بدون كهرباء تمامًا ولا وسائل حديثة، لا ينير ظلمة الليل إلا قناديل عتيقة وشموع فى مشكاوات بيضاء مصنوعة من الملح.

سألت الدكتور منير ونحن فى إحدى الاستراحات البسيطة والجميلة التى تعلو بناية من دور واحد مبنية من الكرشيف عن وحيه لبناء فندق دون كهرباء أو وسائل اتصال حديثة ومن أى مكان استوحى فكرته. قلت له: إننى زرت فنادق بيئية عديدة، لكنه الأكثر جرأة فى انتصاره للطبيعة والعزلة.

فحكى الخبير البيئى، الذى تربطه علاقات قرابة مباشرة بالدكتور بطرس غالى، أنه قبل عشرين عامًا تقريبًا، دعا مجموعة من الأصدقاء الأوروبيين إلى سيوة، وكان بينهم أحد المنتجين فى إيطاليا وكان يعانى أزمة وجودية فى عمله، واحتاج فترة من السكون والصمت لإعادة صياغة مستقبله. وبعد أسبوع من الإجازة الهادئة منحنى فكرتى بأن أبقى على المكان كما هو وبدون وسائل حديثة وبدون الكهرباء. وقد نفذت فكرته.

يأتى إلينا مشاهير العالم. يحتاجون الانعزال عن المدينة وعن صخب الحياة.

حدثنا نعمة الله عن جهده هو ومساعديه للحصول على تمويل لمشروعه بترميم مدينة شالى، وكيف نجح فى مسعاه أخيراً، بدليل حضور اثنى عشر سفيراً معظمهم أوروبيون للاحتفال مع وزير الآثار والبيئة والمحافظ ببدء الترميم.

فى محاضرتين منفصلتين لشيوخ وعواقل الواحة عن أهمية المشروع، عرض الاستشاريان عماد فريد ورامز عزمى، تفاصيل إنقاذ قلعة شالى، وكيف أن المنقذين وهم من البنائين القلائل الباقين الذين يجيدون البناء بالكرشيف، وهم من أبناء الواحة. عرضا معًا، كل المعلومات الأصلية عن المكان، وهو عبارة عن قلعة تم بناؤها فى عهد المماليك (حوالى عام 1200 ميلادية) وذلك لدرء الغزاة، وتم بناء القلعة باستخدام خامات البناء التقليدية المحلية «الكرشيف» وهو حجر مكون من الملح والطَفلة والذى يوجد عادة بسيوة، وعندما استقرت مصر فى عهد محمد على باشا (بعد 1805) لم تعد هناك حاجة لسكان سيوة للتحصن بحدود القلعة الطينية فنزلوا منها للمناطق الأكثر اتساعًا، وقاموا بتفكيك الأبواب والنوافذ.

وظلت أجزاء من الحوائط القديمة صامدة رغمًا من عوامل التعرية. ورصدت عدسات المستكشفين والرحالة نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، كيف أن البيوت داخل قلعة شالى وصلت إلى سبعة طوابق.

فى المحاضرة، نشر عماد ورامز صوراً قديمة ورائعة للقلعة بصورتها التقريبية. قلت لهما- وللدكتور منير- إن الناقد الراحل سمير فريد- وبعد أن قرأ حلقاتى التى نشرتها عن السياسى والرحالة الراحل أحمد حسنين باشا، قال لى إن الأفلام التى صورها حسنين باشا- وضمنها صور وأفلام عن سيوة موجودة فى مكتبة الجامعة الأمريكية.

أعود لعماد ورامز، وقد أعجبنى فى عرضهما، أنهما حرصا على الاستماع إلى ملاحظات الأهالى حول تفاصيل الترميم. طلبا صوراً ومعلومات حول الأشكال القديمة للمبانى وللمساجد التى قامت شركتهم بترميم اثنين منها فى القلعة القديمة، وقد صليت الجمعة فى أحد هذه المساجد العتيقة.

الحديث عن أزمات ومشاكل سيوة يطول، وقد قرأت عشرات الأبحاث والمقالات وخاصة عن أزمة المياه الجوفية. وقد اطلعت على مقترحات المعاهد البحثية وخاصة جامعة الإسكندرية ومعهد بحوث الصحراء ومعاهد وزارة الرى، مرات عديدة، ونشرتها أنا وزملائى فى أكثر من موضوع ولم يتم تنفيذ أى من هذه المقترحات على أرض الواقع.

وقد أعجبنى موقفًا، ما أقدم عليه الشيخ عمر راجح، أحد أبرز شيوخ الواحة، والأكثر ثقافة وتفاعلا وأبرز رموزها، وكيف احتد على عدد من مسؤولى وزارة الرى فى حضور محافظ مطروح، وكان الاجتماع موضوعه الأساسى بحث أزمة المياه الجوفية وملوحة التربة.

قال لهم راجح: بل أنتم سبب تفاقم الأزمة. نفس الوجوه القديمة التى تركت الأزمة تتفاقم!

الدولة وبدلاً أن تعالج أزمة مياه الصرف الزراعى، بدأت فى المتاجرة فى أطنان الملح المتخلف عن مياه الصرف الزائدة حيث تقوم بتصديره لإذابة ثلوج أوروبا. وأعلم جيداً أن «الواحة» وشعبها لا يستفيدون كثيراً من تصدير الملح!

أعجبنى وعود وزيرى السياحة والآثار فى مؤتمرهما الصحفى داخل قلعة شالى، ولهما نصيحة واحدة، يمكن أن تضاف إلى الجهد المبذول بترميم القلعة. أنصحهما بأن يعيدا للواحة هدوءها ونقاءها قدر الإمكان، وأن يهتما بالنظافة، وأن يبعدا الصخب والعشوائية عن سيوة، وأن ينصحا زميلتهما وزيرة البيئة بزيارة «الواحة» باعتبارها محمية طبيعية فى الأساس.

كان ضمن السفراء المدعوين إلى سيوة، سفير المكسيك. تفكير خارج الصندوق من صاحب فكرة دعوته. علينا أن نتجاوز شبح الإدارة السيئة لحدودنا.

أعرف جيداً القيود المفروضة على السياحة البيئية فى المنطقة الغربية، والتى زادت بعد حادثى كمين الفرافرة ثم مقتل السياح المكسيكيين بطريق الخطأ قبل ثلاث سنوات تقريبًا.

أتمنى إدارة مختلفة لملف الحدود مع تحقيق انتصارات مهمة فى هذا الشأن وللعلم فقد انتهت رحلتنا للواحة الحدودية الملاصقة لليبيا فى اليوم السابق لإعلان القبض على الإرهابى هشام عشماوى فى ليبيا!

نقلا عن المصري اليوم القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكايات السبت حكايات السبت



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon