توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السودان... ماذا بعد أزمة الجنيه؟

  مصر اليوم -

السودان ماذا بعد أزمة الجنيه

بقلم - عثمان ميرغني

بعد أزمة ميزانية السنة الجديدة التي أدت إلى ارتفاع كبير في الأسعار، وقادت إلى تفجر مظاهرات الخبز، وجد السودانيون أنفسهم غارقين فجأة في أزمة انهيار الجنيه مقابل الدولار التي طغت خلال الأيام القليلة الماضية على كل ما عداها وأصبحت حديث المجالس السودانية ومحور معظم القرارات الحكومية الأخيرة. راقب السودانيون على مدى أيام ارتفاعاً مذهلاً في أسعار الدولار مقابل الجنيه في السوق الموازية (السوق السوداء) التي أصبحت محطة أساسية لتداول العملات الصعبة بسبب الفجوة الكبيرة في الأسعار بينها وبين السوق الرسمية، أي أسعار البنوك التي يوجهها بنك السودان المركزي، وكذلك بسبب ضعف الكتلة النقدية من العملات الصعبة لدى القنوات الرسمية، وعدم وجود ما يكفي لتغطية احتياجات السوق وعمليات الاستيراد. هكذا قفز سعر صرف الدولار من 26 جنيهاً إلى نحو 42 جنيهاً في فترة وجيزة قبل أن يتراجع إلى حدود 32 جنيهاً يوم أمس، مثيراً خلال ذلك حالة من القلق بين الناس، وارتباكاً في الأسواق بسبب التغير المتواصل في أسعار السلع والخدمات.

ما حدث للجنيه السوداني لم تكن له علاقة بأسعار الدولار عالمياً، ولم يكن ناجماً عن أي ارتفاع مباغت في قيمة العملة الأميركية، أو باضطرابات أسواق المال هذا الأسبوع. فالأمر باختصار كان انهياراً في قيمة الجنيه بسبب عوامل داخلية، وبسبب تراجع الكتلة النقدية من العملات الصعبة، والمسألة برمتها بدأت منذ سنوات. لكن على الرغم من ذلك حاول البعض أن يجد عزاء أو مهرباً في أزمة أسواق المال العالمية، وهي أزمة يجمع المحللون على أنها متوقعة منذ العام الماضي، وستكون قصيرة، لأن كل الركائز والأسس الاقتصادية طويلة الأجل قوية جداً، سواء في أميركا التي انطلقت منها الأزمة يوم الجمعة الماضي، أو في العديد من الاقتصاديات الكبرى.
في المقابل فإن الأزمة السودانية التي عكستها ميزانية عام 2018 وتهاوي الجنيه أمام الدولار، كان واضحاً خلالها وقبلها أن كل الركائز الأساسية للاقتصاد ضعيفة، وأن المعالجات التي حدثت إما كانت خاطئة وإما وقتية، وبالتالي فإن كل القراءات الاقتصادية الواقعية ترجح أن تطول الأزمة وتتعقد. أزمة الجنيه جزء من الأزمة الاقتصادية الأشمل في السودان ومن دون نظرة شاملة لا يمكن حلها أو حتى تسكينها لفترة معقولة. لقد جربت الحكومة قبل ذلك سياسة الالتفاف على الأزمات بدلاً من مواجهتها، ولجأت إلى سياسة طباعة العملة وضخها إلى الأسواق بلا ضابط أو رادع لسد الفجوات حتى بلغ حجم الكتلة النقدية 121 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر (كانون الأول) 2016، بعدما كان 14 مليار جنيه في عام 1988 وفقاً للدكتور صابر محمد حسن محافظ بنك السودان السابق.
في العادة تلجأ الدول إلى الاستدانة من القطاع المصرفي لسد الفجوات والعجز، لأن سياسة طباعة العملة تعني إضعاف قيمتها الحقيقية وقوتها الشرائية وتؤدي إلى ارتفاع نسبة التضخم وتكاليف المعيشة على المواطن. كل الدول التي مارست طباعة العملة بلا قيود لسد عجزها واجهت أزمات خطيرة وتضخماً فاحشاً، وبعضها انهار اقتصاده تماماً مثل زيمبابوي التي ما يزال مثالها الصارخ ماثلاً أمام كل من يريد أن يعتبر. الحكومة السودانية كما أكد الدكتور صابر مارست هذا الأمر على مدى سنوات، ولم تستفد من فترة «الطفرة» النفطية القصيرة التي بددت أموالها في سياسات خاطئة ومشاريع غير مثمرة، إضافة إلى الفساد الذي قضى مثل الجراد على الأخضر واليابس.
السياسة الأخرى الخطيرة التي مورست هي لعبة الأصفار وتبديل العملة لتمويه الأزمة والتغطية على تراجع قيمة الجنيه. فالدولار كان يساوي 12 جنيهاً في عام 1989، وخلال عامين فقط بلغ أكثر من مائة جنيه، فلجأت الحكومة إلى استبدال العملة واستحدثت الدينار وجعلته يساوي 10 جنيهات، وحددت سعر الدولار بـ18 ديناراً (أي ما يعادل 180 جنيهاً). لكن الجنيه واصل تراجعه حتى تجاوز سعر الدولار ألفي دينار (أي ألفي جنيه) بحلول عام 2006، فلجأت الحكومة مرة أخرى إلى تبديل العملة وعادت إلى الجنيه، ولكن بقيمة جديدة مختلفة وجعلته يساوي مائة دينار، بينما حددت للدولار سعر جنيهين (أي ألفي جنيه بالسعر القديم). وبعد انفصال الجنوب وخسارة الشمال لمعظم الإنتاج النفطي الذي كان في الجنوب، تهاوى الجنيه الجديد بسرعة، ليتجاوز سعر الدولار ستة جنيهات (6 آلاف بالجنيه القديم، وبدأ السودانيون يتحدثون بالملايين الوهمية، بينما استمر تهاوي سعر الجنيه ليتجاوز الدولار حاجز العشرين جنيها (20 ألفاً بسعر الجنيه القديم)، لينتهي الأمر إلى أزمة الأيام الأخيرة وتخطي الدولار حاجز الأربعين جنيهاً (40 ألفاً بالقديم).
الإجراءات والقرارات الأخيرة التي أعلنتها الحكومة لن تحل الأزمة التي استفحلت، ولن تعيد العافية للجنيه، لأن أغلبها جرب وفشل، حتى عندما بلغ الأمر حد تنفيذ أحكام قاسية بالإعدام على مواطنين لمجرد حيازتهم عملات صعبة. أحوال الجنيه ترتبط بإصلاح شامل للوضع الاقتصادي الذي دخل عنق الزجاجة، وجعل السودان يعيش منذ بداية العام حالة احتقان خطر فتحت الباب أمام الكثير من التكهنات حول الوجهة التي سيتخذها مسار الأحداث من هنا.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان ماذا بعد أزمة الجنيه السودان ماذا بعد أزمة الجنيه



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon