توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاستبداد والعدل.. هل يجتمعان؟!

  مصر اليوم -

الاستبداد والعدل هل يجتمعان

بقلم - أحمد عبدالمعطى حجازى

نحن نسىء الظن بأنفسنا وننكر عليها حقها حين يعتقد بعضنا أن الديمقراطية وحقوق الإنسان وخاصة حرية التفكير والتعبير مطالب ثانوية أو أنها ترف لا تعرفه ولا تطالب به إلا نخبة محدودة، أو أنها تجربة صعبة تحتاج لتربية سياسية وخبرة لم يعرفها المصريون طوال تاريخهم. فإن دخلوها دون أن يستعدوا لها اساءوا استعمالها كما يعتقد البعض وخسروا فيها الكثير دون أن يربحوا إلا القليل. والأفضل لهم فى هذه الحالة والأوفق حكم فردى يلتزم القانون ويحقق العدالة ويمهد الطريق لديمقراطية يمكن أن تكون الآن مشروعا مؤجلا.

والحقيقة أننا لم نعرف بالفعل طوال تاريخنا هذا النظام السياسي، وهو الديمقراطية، الذى تحكم فيه الأمة، نفسها بنفسها، بواسطة نواب عنها تنتخبهم لفترة محددة، وتحاسبهم، وتغيرهم. وعرفنا نظما أخرى يتأله فيها الحكام ويتجبرون ويرثون السلطة عمن سبقوهم أو يغتصبونها اغتصابا. وفى هذا العصر الحديث عندما اتصلنا بالأوروبيين ونقلنا عنهم النظم الديمقراطية التى عرفوها قبلنا لم نستطع أن نطبقها كما يجب، ولم نستطع أن نحميها وندافع عنها فى مواجهة من خرجوا عليها وتمكنوا من إسقاطها.

غير أن هذا الطغيان الذى رزحنا تحته آلاف السنين ليس دليلا على أننا لا نستطيع بطبيعتنا أن نبنى نظاما ديمقراطيا، أو أننا نفضل أن نعيش تحت حكم الطغاة كما كان يقول أرسطو فى «السياسة» وهو يميز بين الشعوب الأوروبية التى لا تتحمل فى رأيه حكم الطغاة وبين الشعوب الشرقية التى لا تقاوم الطغيان ولا تشكو منه ولا تتذمر.

نحن نرى فى هذا العصر أن شعوبا أوروبية عريقة متحضرة اختارت الطغاة الفاشيين حكاما لها وأعطتهم صوتها فى انتخابات حرة كما حدث فى إيطاليا وفى ألمانيا، وحتى فى البلاد التى ولدت فيها الديمقراطية وأعطتها اسمها الذى نعرفها به وهى اليونان التى حكمها الطغاة وأنصاف الطغاة. ونرى على العكس أن شعوبا شرقية نجحت فى بناء ديمقراطيات راسخة مزدهرة كما حدث فى الهند واليابان. والنظم السياسية لا تبنى بالطبائع، والذين يفضلون العيش بطبيعتهم تحت حكم الطغيان لا يضيقون بالظلم ولا يشعرون به، بل هم يطلبونه ويتلذذون بمعاناته، فإذا جاز أن يكون هؤلاء أفرادا مرضى فليس يجوز أن يصاب بهذا المرض المصريون جميعا. وهل يتفق أن يصنع المصريون هذه الحضارة الباذخة المعجزة التى صنعوها وهم مصابون بهذا المرض الذى يسميه علماء النفس المازوخية، وفيه يتلذذ المصاب بتعذيب الآخرين له؟! لا. الطغيان ليس طبيعة، لا فى الشرق ولا فى الغرب، ولكنه واقع ينتج عن إرادات ومصالح تتصارع ويتغلب بعضها فيقوم الطغيان، ويظل الصراع دائرا ظاهرا وباطنا حتى يتمكن طلاب الحرية من اسقاط الطغاة وبناء نظام حر. وهذا ما رأيناه فى تاريخنا وفى تاريخ سوانا.

نحن وغيرنا من الأمم كنا دائما نطالب بالحرية ونقاوم الطغيان، لكن تحت شعارات تتعدد وتختلف باختلاف الأسباب والظروف والثقافات.

عندما أوقف صدقى باشا العمل بدستور 1923 كنا نهتف للدستور وكنا بهذا الهتاف نندد بطغيان الملك فؤاد. وعقب هزيمة 1967 عندما تظاهر آلاف الطلاب مطالبين عبدالناصر بتطهير البلاد من الفساد والفاسدين كانوا يطالبون بالديمقراطية وينددون بالطغيان، وكذلك نقول عن مظاهرات الجوع التى هزت البلاد فى عهد السادات. لم تكن هذه المظاهرات من أجل الخبز وحده، وانما كانت أيضا من أجل الحرية. وإلا فكيف نفسر هذه اليقظة التى عرفها المصريون منذ أواسط القرن التاسع عشر ورفعوا فيها شعارات الديمقراطية التى لم يكن قد مر على معرفتهم اسمها إلا فترة قصيرة؟ كيف نفسر قيام الأحزاب، وانتشار الصحف، واشتعال الثورة العرابية بعد ما لا يزيد على نصف قرن من عودة الطهطاوى من فرنسا حاملا معه هذه الثقافة التى لم يعرفها المصريون من قبل؟ فهل تكون هذه الشعارات التى استظل بها تاريخنا الحديث كله: الديمقراطية، والاستقلال، وحرية التفكير والتعبير.. هل تكون هذه الشعارات مطالب ثانوية أو ترفا لا تعرفه إلا نخبة محدودة كما يرى بعضهم؟ لكننا مع هذا كله لا ننكر أن فينا سلبيات تسمح للبعض بأن يتشككوا فى قدرتنا على بناء ديمقراطية حقيقية ننال فيها حقوقنا ونؤدى واجباتنا، ونختلف داخل حدودها، لكننا لا نتجاوز هذه الحدود ولا نسمح لأحد بتجاوزها ونتصدى جميعا لمن يفكرون فى ذلك.

نعم، الحرية حق طبيعى لنا ولكل البشر، لكن الديمقراطية ليست حقا فقط، وانما هى أيضا ثقافة. فإذا كنا قد ولدنا أحرارا فنحن لم نتلق من ثقافة الديمقراطية إلا القليل. لأن هذه الثقافة ليست أفكارا ونظريات نلتمسها فى الكتب، وانما هى إلى جانب الأفكار والنظريات تجارب عملية لم نخضها إلا فى سنوات قليلة، وفى فترات متباعدة وفضلا عن أن ثقافتنا السائدة الموروثة لا تتفق دائما مع الديمقراطية ولا تستجيب دائما لما تتطلبه أو تتحقق به، فى الوقت الذى لاتزال فيه ثقافتنا الحديثة قاصرة على دائرة محدودة ولم تصل لملايين من المصريين لايزالون يعانون من الأمية. من هنا نختلف كثيرا حين نتحدث عن المساواة التى لا تتحقق الديمقراطية بدونها. المساواة بين الرجل والمرأة، وبين الغنى والفقير، وبين المسلم وغير المسلم، وبين المؤمن وغير المؤمن. ونختلف حين نطالب بالفصل بين الدين والدولة، وحين نطالب بحرية التفكير والتعبير. وفى ظل هذه الثقافة السائدة كيف يمكن للديمقراطية أن تقوم وأن تتوطن وتزدهر؟

الجواب على هذا السؤال يأتينا من الإمام محمد عبده. وهو طرف يقف فى معسكر الديمقراطية ويتزعمه، لكنه يعترف بأن الديمقراطية لا تستطيع أن تتحقق الآن ـ كان ذلك منذ أكثر من مائة عام! ـ وإذن فهى مشروع مؤجل وهدف نستطيع أن نعتبر ما بيننا وبينه مرحلة انتقالية علينا أن نستعد فيها للديمقراطية بما نستطيع من الثقافة النظرية والعملية، وأن نرضى فيها بالمسير وراء مستبد عادل يحقق لنا فى وقت قصير ما لا نستطيع بوسائلنا الراهنة أن نحققه. والسؤال الذى لابد أن نوجهه الآن للإمام محمد عبده هو: هل يمكن أن يجتمع الاستبداد والعدل فى رجل واحد؟ وهل يستطيع المستبد أن يكون عادلا؟!

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستبداد والعدل هل يجتمعان الاستبداد والعدل هل يجتمعان



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon