توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الربيع الفرنسى

  مصر اليوم -

الربيع الفرنسى

بقلم - عبد المنعم سعيد

«الربيع» هنا ليس له علاقة بفصول السنة الأربعة، ولكنه تعبير عن خروج الناس إلى الشوارع للاحتجاج على أمر ما، وعندما جاءت «الثورات» إلى تونس ومصر وغيرها من الدول العربية بين عامى 2010 و2011 سُميت «الربيع العربى». وكان فى الأمر استعادة لنفس النوعية من الخروج فى صيف عام 1968 عندما خرجت الجماهير فى «براغ» احتجاجاً على الحكم الشيوعى والهيمنة السوفيتية. أيامها انتهت القصة كلها بدخول الدبابات الروسية إلى العاصمة التشيكية، وأصبح «ربيع براغ» دامياً كما حدث فيما بعد لربيع العرب الذين انتهت قصتهم بالتطرف الدينى والإطاحة بنظم سياسية والحرب الأهلية. كل أنواع الربيع من هذه النوعية لم تنتج زهرة، ولم تطلق عطراً، ولم تأتِ منها نسمة هواء عليل، وإنما كانت النتيجة مئات الألوف من القتلى، وملايين من الجرحى، وملايين أكثر منهم من اللاجئين والنازحين تركوا وراءهم مدناً مدمرة وآثار حضارات محروقة. اليوم خرجت، وفى فرنسا هذه المرة، عشرات الألوف من الفرنسيين للاحتجاج خلال الأسابيع الماضية، رافضة فرض ضرائب على الوقود، أو لتدهور أحوال العاملين فى سيارات الإسعاف. وكما هو الحال فى الربيع المُحمَّل بعواصف رملية وخماسين ساخنة، جاءت مع الخروج اشتباكات مع الشرطة، وحرائق فى السيارات الخاصة والعامة، وتخريب فى «قوس النصر» الشهير. فى الحالة العربية وصلت شهرة «ميدان التحرير» إلى عنان السماء، أما فى الحالة الفرنسية فقد جاءت الشهرة السلبية إلى شارع «الشانزليزيه». ما جمع الجميع فى كل الميادين والشوارع كان الخروج الجماهيرى الكثيف، والاحتجاج، والحشد عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى، وغياب القيادة، ومعها الهدف والسياسة.

التفسير الشائع للربيع العربى كان ذيوع الاستبداد وعنف الأمن وغياب الديمقراطية وعنف الإخوان وتوابعهم وتجريف الحياة السياسية، ولكن فى فرنسا جاء الخروج الشعبى فى حضور الديمقراطية والليبرالية ورئيس شاب منتخب- ماكرون- استخدم الآليات المنتخبة لكى يقرر سياسات مالية ونقدية. الفرضية التى قام عليها «الربيع الفرنسى» أن يحل الشارع مكان المؤسسات من برلمانات وأحزاب وجهاز حكومى فى تقرير السياسات العامة. التفسير جاء أن فرنسا بلد قلق، ففيه جرت أعنف الثورات فى التاريخ، فكانت الثورة الفرنسية فى نهاية القرن الثامن عشر، وثورة «كميونة باريس» فى منتصف القرن التاسع عشر، وبعدها حتى منتصف القرن العشرين تقلبت خمسة أنواع من الجمهوريات، ونجحت «حركة الطلبة» فى عام 1968 فى الإطاحة بديجول، بطل فرنسا فى الحرب العالمية الثانية، قائد الجمهورية الخامسة. التفسير الأكثر شيوعاً هو حدوث أزمة فى الديمقراطيات الغربية، والتراجع فى الحالة الليبرالية فى الدول المتقدمة. انسدّت أدوات التواصل بين الساسة والشعب، ولم تصل مؤسسات التدبير والتقرير إلى نتيجة، ومن كثرة الإعلام لم يعد فى الأمر حوار، ولا تواصل اجتماعى، وإنما أنواع مختلفة من الضجيج الذى يحتاج إلى ضجيج آخر أعلى صوتاً وأكثر عدوانية. المسألة ليست فرنسية فقط، وإنما جرت فى بلدان غربية كثيرة، الفارق أنها أخذت أشكالاً متعددة من الحماقة، فكانت الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى، وجاءت بحكومات يمينية فى بولندا والمجر، وأحضرت أحزاباً شبه فاشية بقوة إلى برلمانات ألمانيا وهولندا وإيطاليا وحتى السويد، أما فى الولايات المتحدة فقد وصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. الفارق فى فرنسا أن الحالة جاءت بارتفاع أسهم الجبهة الوطنية على اليمين، أما الربيع الأخير الذى جاء مع مطلع الشتاء فقد أخذ المسألة كلها إلى اليسار!

الصورة هكذا مغايرة تماماً لما كانت عليه الأحوال الغربية مع مطلع القرن الجديد عندما كانت الديمقراطية الليبرالية الغربية ممثلة لنهاية متعجلة للتاريخ، بل إنها باتت مقياس الحكم على دول العالم، ومسار الانتقال المأمون للسلطة والثروة والإبداع. «ربيع باريس» ربما يكون شهادة جديدة على أن التاريخ لا يسير أبداً فى خطوط مستقيمة، وإنما هناك دائماً طرق متعرجة ومطبات حقيقية وصناعية وهوائية من كل الأنواع. «العولمة» الغربية تتعرض للاختبار على كل الجبهات، وبصفعات متعددة الأشكال، والأرجح أنها حالة لن تستقر فى المستقبل القريب حتى تتماشى التطورات التكنولوجية والصناعية مع القيم والمؤسسات السياسية. ربيع فرنسا ربما سوف يمر بطريقة أو أخرى، ومع كل ارتفاع فى درجة العنف فإنها سوف تحتوى على عزلة لشباب المتظاهرين والمخربين، تصحبها اندفاعة نحو اليمين المطالب بالأمن والنظام، وتبقى جماعات مبعثرة تجد فى الإرهاب ملاذاً ومأوى. ربيع الفصول ربما لن يأتى قريباً!

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الربيع الفرنسى الربيع الفرنسى



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon