توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إصلاح الإصلاحيين!

  مصر اليوم -

إصلاح الإصلاحيين

بقلم - عبد المنعم سعيد

الإصلاح هو حالة وسط ما بين الثورة والمحافظة على الأوضاع على ما هى عليه. ثلاثتهم ـ الإصلاح والثورة والمحافظة ـ له علاقة بتغيير المجتمع، الثوريون يريدونها طفرة كبيرة أو ما سماها «ماوتسى تونج» قفزة كبرى إلى الأمام، والمحافظون يرونها مسيرة إلى المجهول وتفجيرا لطاقات قد تهدم المجتمع وربما الدولة أيضا وحتى تعطى الفرصة لتدخلات أجنبية.

الإصلاحيون على عكس هذه وتلك يريدون التغيير بشدة لأنه جوهر الأمور والطبيعة والتاريخ، ولكنهم يريدونه محسوبا ومتدرجا ويمكن تحمل ما يأتى به من مفاجآت، وما يتمخض عنه من آلام. العقد الحالى شهد الجدل ما بين الثلاثة، وفى مطلعه جرت هبات وثورات فى عدد من الدول العربية بدت كما لو كانت ثورات، وفى المقابل جرى التمترس حول إبقاء الأمور كما هى عليه فكانت الحروب الأهلية و«الثورات» المعكوسة التى لا تأخذ الدول إلى الأمام وإنما تمسك بها وتجرها إلى الخلف.

وفى النصف الثانى من العقد بدأت عمليات الإصلاح فى أكثر من دولة عربية شملت مصر والمغرب وتونس والأردن والبحرين، أما فى المملكة العربية السعودية فقد كانت أكثر توجهات الإصلاح إثارة لأنها جاءت فى دولة عميقة المحافظة، سلفية ووهابية المذهب، وتقليدية المسلك فى السياسات الداخلية والخارجية. أفلتت السعودية من الثورات والانقلابات التى جرت فى المنطقة خلال الخمسينيات والستينيات، كما لم يصبها عواصف «الربيع» العربى المزعوم، ولكن قضية التغيير لم يعد ممكنا تجنبها وقد دخلت الدنيا كلها إلى القرن الواحد والعشرين.

كان للإصلاح فى السعودية الشقيقة مسارات: أولها بعث الدولة الوطنية بكل سماتها وأعلامها وتاريخها، لم يعد الدين هو بداية الدولة ونهايتها بل كان لها تاريخا من قرون عديدة كان فيها أحداث وحضارات. وثانيها أن الدين الإسلامى الذى شرف الدولة بتواجد الحرمين الشريفين فيها له جوهر آخر حضارى ومعاصر ولا يحتكره جماعات للحل والعقد تمشى بالمقارع فى الأسواق لترويع النساء وإرهاب الرجال، وأصبح على الدولة أن تمارس سلطتها وسطوتها من خلال القانون والبيروقراطية.

وثالثها أن الدولة التى كان بها خلل تاريخى واجب إصلاحه، كان فيها خلل اقتصادى يقوم على أمرين: الاعتماد الكامل على الثروة البترولية ومشتقاها، والتركيز بالتالى على منطقة شرق المملكة وعلى ساحل الخليج التى توجد فيها الثروة وبالقرب منها مصادر التهديد. الإصلاح كان تنويع مصادر الثروة، والتوجه نحو الغرب فى البحر الأحمر لكى تنتشر التنمية، ويعتدل الميزان التنموى والجغرافى فى الدولة. ورابعها أن الدولة الحديثة لها تقاليدها المختلفة القائمة على تفجير كل طاقات المجتمع بما فيه من رجال ونساء وأقاليم، وفى كل الأحوال فإنها ليست منعزلة عما يجرى فى العالم من تطورات وثورات تكنولوجية. لم يعد ممكنا أن يعيش السعوديون فى حالة تختلف عن بقية الدنيا كلها.

كان كل ذلك ما لخصته مسيرة ما عرف برؤية ٢٠٣٠ الطموحة للمملكة، وبغض النظر عن التفاصيل، وبغض النظر عما تم فإن أحداث الأسابيع الماضية أفصحت عن ضرورة المراجعة ليس فى الفكرة الإصلاحية ومساراتها السابقة، ولكن فى توفير متطلباتها ومراجعها. وبالطبع فإنه يمكن تفسير ما جرى على أنه مؤامرة من نوع أو آخر، ولكن هذه طبيعة العلاقات الدولية، ويبقى للإصلاحى دوما أن يبحث فى داخله عن الأسباب فمهمته فى الأول والآخر أن يحمى العملية الإصلاحية أولا من استدراجات خارجية، وثانيا من خلل داخلى فى اتخاذ القرارات، فبحكم التعقيد الشديد فى المسارات المختلفة فإنها تتحدى القدرات الفردية لاتخاذ القرار، وما جرى فى إسطنبول لم يكن حتميا بل كان يمكن تجنبه وحماية عمليات الإصلاح من نكسة لها ثمن كبير.

الأمر الآن بات يحتاج قرارات صعبة، وتحملا للمسؤولية، وقبل كل ذلك وبعده رؤوسا باردة لا يهزها مقال ولا أقوال تلفزيونية، فالإعلام واحد من ضرورات العصر التى تأتى مع الحداثة، ومع عمليات الإصلاح التى بحكم تعقيدها ومناوءتها للثورى والمحافظ فى آن واحد، فإنها تتلقى سهاما عدة ممن يعادون وممن يختلفون. ويبقى دائما أن الإعلاميين والمثقفين والكتاب لا يحملون سلاحا وإنما كلاما ومشاهد يؤخذ منها ويرد عليها، وتبنى فى مواجهتها جبهات الإصلاح ومرجعية التحديث والتفاعل السياسى، أما إراقة الدماء، سواء كانت بالصدفة أو بالقصد، فإنها ليست فى قاموس الإصلاح والأرجح أنها تأخذه إلى مسار آخر.

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إصلاح الإصلاحيين إصلاح الإصلاحيين



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon