توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من يحكم العرب..عقولهم أم غرائزهم؟

  مصر اليوم -

من يحكم العربعقولهم أم غرائزهم

بقلم - نصر محمد عارف

العقل هو العضو الغائب عن المشهد العربي، وإن حضر يحضر على استحياء، ويبقى لفترة وجيزة، ثم ينزوى منسحبا فى خجل شديد، المشهد العربى مشهد غرائزى بامتياز، والمقصود بالغرائزى هنا هو تحكم غرائز الإنسان فى جميع سلوكياته، وتحكم تلك الغرائز فى إدارة الدول والأحزاب والجماعات والمنظمات، فتكون السياسات والمواقف تلبية لغرائز بهيمية؛ كالانتقام والتشفي، والثأر وإفناء الخصوم، والمواقف الحدية التى لا تعرف إلا الأبيض والأسود، والانتقال من الصداقة للعداء، ومن العداء للصداقة بصورة فجائية...الخ

فى عصر بلغ من العقلانية والرشادة مداهما، وبالغ فيهما حتى صارا دينا من دون الدين، العقلانية والرشادة تحكمان العالم فى كل شيء، فى السياسة والاقتصاد، فى الثقافة والمجتمع، فى العلاقات الدولية، والسلم والحربةولكن نحن العرب بعيدون عن ذلك بعد المشرقين، لم نزل نرتع فى مرابع عمرو بن كلثوم وننشد معه «بِأَنَّـا المُطْعِمُـوْنَ إِذَا قَدَرْنَــا... وَأَنَّـا المُهْلِكُـوْنَ إِذَا ابْتُلِيْنَــا/ وَأَنَّـا التَـارِكُوْنَ إِذَا سَخِطْنَـا ... وَأَنَّـا الآخِـذُوْنَ إِذَا رَضِيْنَـا/ وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْـواً …وَيَشْـرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِيْنَـا» نحن محور الكون ومداره، رغباتنا أقدار، وأمنياتنا أوامر، ولا يعنينا فى الكون شيء إلا إشباع غرائزنا بكل أنواعها، بما فيها غرائز التشفي، وإهلاك من نكره إذا قدرنا عليه، وإن لم نقدر عليه تستيقظ غريزة الخضوع والخنوع لحفظ الوجود، والانتقال من النقيض إلى النقيض.

العقلية الغرائزية تتحكم فى جميع مناحى حياتنا، من أبسط وحدات المجتمع إلى العلاقات الدولية، والسلم والحرب، مجتمعاتنا أكثر مجتمعات العالم مبالغة فى تكاليف الزواج والأفراح، وفيها أعلى معدلات العالم فى الطلاق خصوصاً فى سنوات الزواج الأولى خصوماتنا تنقلب دماً وتتحول ثأراً؛ تفنى فيه أعمار أجيال من أبنائنا معاملاتنا الاقتصادية مرتبكة؛ يغلب عليها التدمير المتبادل، لذلك يستحيل أن تجد تحالفا اقتصاديا عربيا ضخما فى أى مجال.

فلننظر إلى العراق؛ حيث أكثر ظواهر الفكر الغرائزى وضوحا واستمرارا، أحزاب وكيانات وأجيال لم تشف بعد من التشفى من خصوم، لم ير أحد خصومتهم، ولم يعايش أحد عداوتهم، ولكن كتب الطائفة تقول إن أجداد أجدادهم من أربعة عشر قرنا كانوا خصوما لمن أصبحنا نحبهم اليوم، ولم يكن كذلك أجداد أجدادنا الذين عاصروهم، العراق حالة مثالية للفكر الغرائزى والسياسة الغرائزية، وبناء دولة على أسس وقواعد غرائزية، والتخطيط للمستقبل بمنهجية غرائزية.

أما الحالة السورية ففيها توحشت غرائز الأبعدين المتحكمين فى تجار الشام الذين باعوا كل شيء، حالة غريبة يتم فيها تدمير دولة وقتل شعب لإشباع غرائز آخرين فى مناطق بعيدة جنوبا وشمالاً وشرقاً، تتحكم غرائز الممولين فى أدوات غرائزية تسمى نفسها ثورية أو وطنية من أجل أهداف غرائزية تتعلق بالانتقام والتشفي، وتخليص ثارات قريبة أو بعيدة.

وكذلك الأمر فى ليبيا واليمن تتصارع الغرائز الحيوانية، ويغيب العقل والرشد، وتنتهى الأوطان، ويضيع الإنسان لأجيال قادمة، نفس منظومة الغرائز لنفس اللاعبين الدوليين الذين يملكون المال، ويهلكون به الإنسان، انتقاما من خصوم لا يستطيعون مواجهتهم مباشرة، حالة تصيب الإنسان بالموت العقلي، حين يقتنع أن العقل لا دور ولا وجود له أمام توحش الغرائز؛ المبررة باسم الدين تارة، والوطنية تارة أخري، والقيم العالمية كالحرية والديمقراطية، وحق الشعوب فى حكم نفسها تارة ثالثة.

العلاقات العربية- العربية تتحكم فيها العقلية الغرائزية، وتديرها كفاءات ماهرة فى إشباع الغرائز البهيمية، إذا أخضعت المواقف والقرارات للبحث والتحليل لن تجد ما يمكن أن تبرره المصلحة الوطنية أو القومية، ولن تجد ما يقبله العقل على أنه قرار رشيد، وسياسة عقلانية تخدم مصلحة هذه الدولة أو تلك، الغالب الأعم مناكفات غرائزية للانتقام والتشفي، أو معاقبة متمرد على عظمة الذات المتضخمة، وفى الجانب الآخر مجاملة صديق أو حبيب، مؤقت بالطبع، فى موقف قد يضره أكثر مما يفيده.

العقلية الغرائزية لن تسمح للعرب بالدخول فى المستقبل، ستبقيهم خارج التاريخ كما كانوا فى القرن الماضي، لأن هذا العصر لا يستطيع العيش فيه من لا يملك من قيم العقلانية والرشادة ما يمكنه من إدراك مصالحه بصورة دقيقة وواقعية، ويستطيع تحقيقها بالتعاون مع الآخرين المخالفين له فى كل شيء، بعقلانية ورشادة؛ تحقق له مصالحه دون أن تمس مصالح الآخرين، لن يستطيع العبور للمستقبل من لا يستطيع أن يتقبل وجود عدوه، ويتعامل معه، ويتبادل المنافع معه، لن يستطيع العيش فى المستقبل من لا يستطيع العيش مع من يكره، لان المستقبل لا مكان فيه لمن يريد أن يصنع عالماً على مقاسه، ومقاس جماعته أو طائفته أو مذهبه، هذا ممكن فقط فى قصيدة شعر، أو رواية.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من يحكم العربعقولهم أم غرائزهم من يحكم العربعقولهم أم غرائزهم



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon