توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شعبوية الثقافة.. هدف إستراتيجى

  مصر اليوم -

شعبوية الثقافة هدف إستراتيجى

بقلم - نصر محمد عارف

الثقافة فى حقيقتها شعلة نور تضىء عقل الإنسان فتنير عوالمه، ويزداد شغفه للمعرفة، وتتسع مجالات اهتمامه؛ فيصير أكثر عطشا للتعلم، وأشد شوقاً للاطلاع، وأكثر توقاً لمعرفة المزيد؛ لذلك تبدأ الثقافة عند الإنسان بالاطلاع أو السماع، ثم تصير عادة تدفعه لمزيد من القراءة أو السماع أو الرؤية، ويظل الإنسان كذلك فى توق وشوق للتثقف والمعرفة حتى يفارق الحياة ونار الشغف أكثر اشتعالاً فى قلبه، ونور المعرفة أشد توقداً فى عقله.

فى المجتمعات الصحية السليمة الطامحة فى الرقى والتنوير الحقيقى يسعى الناس جميعاً نحو مزيد من الثقافة والتثقيف، ولا يخشى أحد من توسع معرفة البشر، ومن ثراء ثقافتهم، بل تشجع المؤسسات الكبرى الناس للتزود من الثقافة، وتيسر لهم سبل ذلك، وتكافئهم عليه.

أما فى المجتمعات التى تقف على الشاطئ الآخر من العالم فإنها تخاف من المعرفة، ومن الثقافة ومن النور الذى يضىء العقول، لان ذلك النور يزيح الظلام رويداً رويداً، ومعه تنزاح كل قوى الظلام التى تسعى للسيطرة على العقول لتحويل الإنسان الى روبوت أو إنسان آلى، يتم تحريكه من قبل كهنة معابد الظلام.

من يتابع الواقع العربى والإسلامى يجد أن هناك قوى عديدة تسعى بكل طاقتها لمنع تدفقات الثقافة الراقية، ووقف النمو الثقافى للفرد والمجتمع؛ وذلك من أجل الوصول الى حالة وسيطة بين الجهل والعلم، يكون فيها الإنسان نصف جاهل ونصف عالم، يجمع النقيصتين معاً، فيكون فيه انغلاق الجاهل الذى يظن أنه عالم، ورسوخ قناعة العالم الذى لا يعترف بجهله، فيصبح بذلك جاهلاً مركباً، وليس جاهلاً بسيطاً، وهو الأشد خطراً على نفسه ومجتمعه، لأن الجهل البسيط قد يتبعه علم، وقد يدفع صاحبه للتعلم، ولكن الجهل المركب يجعل صاحبه محصنا من التعلم، ورافضاً تصحيح الأخطاء التى ترسخ فى فكره، لأنه مقتنع أنه عالم بكل شيء.

وكان أول من فرق بين الجهل البسيط والجهل المركب إمام الحرمين ابو المعالى الجوينى المتوفى 480 هجرية، فى كتابه المختصر جداً, الورقات فى أصول الفقه، حيث يقول: الجهل البسيط هو إدراك الشيء على غير حقيقته، والجهل المركب هو إدراك الشيء على غير حقيقته، مع اعتقاد المدرِك أنه يدركه على حقيقته.

وهنا يثور السؤال لماذا تكون الثقافة الشعبوية التى تنتج جهلاً مركباً هدفاً إستراتيجياً لقوى كثيرة فى العالمين العربى والإسلامي؟ والحقيقة الواقعية تقول لنا إن الكثير من القوى ذات المصالح فى التحكم والسيطرة على مجاميع بشرية كبيرة تلجأ لنشر الثقافة الشعبوية ودعم روادها، وعرقلة تطور ونمو الثقافة الراقية؛ وذلك من أجل خلق حالة واسعة من الجهل المركب عند جماهير كبيرة تكون مستعدة للموت دفاعاً عن الجهل المركب؛ الذى هو إدراك للواقع على عكس حقيقته مع اقتناع كامل أنها حقيقته، هنا تتحول الجماهير الى قطعان تسير خلف الراعى الذى يغذى فيها الجهل المركب من خلال كل وسائل الثقافة الشعبوية.

هناك من الجماعات الدينية منها الإخوان والسلفيون يحرصون على ضحالة الثقافة عند أتباعهم، وضمان عدم تعمقهم فى أى مجال من المجالات؛ حتى إن بعض هذه الجماعات تحدد للأعضاء ماذا يقرأون من الكتب، ولا يملك أى عضو أن يقرأ خارج القوائم التى تضعها الجماعة، وذلك لضمان وجود ثقافة شعبوية مليئة بالخرافات والأكاذيب والمؤامرات والأعداء، والقصص الوهمية التى تشيطن الخصوم، وتحول الأتباع الى ملائكة أطهار، وهذه كانت من أنجح الوسائل لضمان تماسك الجماعات.

وهناك دول مثل إيران وتركيا حاليا، والنظم البعثية سابقا تحرص على التخلص من المثقفين الذين يفكرون خارج أيديولوجية النظام، ويدفعون الناس للتفكير والتأمل والنظر، وتحرص على التمسك بمن ينشرون الثقافة الشعبوية التى تضع المجتمع بصورة كاملة فى حالة خرافية من المؤامرات الدولية؛ التى تستهدف النجاح الباهر غير الموجود حقيقة، وبذلك يتم تعليق كل فشل على القوى المعادية والخارجية، وتحويل النظام وقادته الى أبطال تاريخيين.

العديد من المؤسسات الدينية السنية والشيعية تحرص على إحياء الخرافات وتقديس الأساطير، وتحويلها الى دين وعقيدة يموت من أجلها الإنسان، وتحرص على تشجيع كل أنواع الخطاب الدينى الخرافى والأسطورى، ومقاومة كل خطاب موضوعى ومحترم وعميق حتى لا يتم إيقاظ العقول، والحفاظ على إنسانية الإنسان، وحين يتم إيجاد نقيض لهذا الخطاب الخرافى المغلق يأتى أولئك بخطاب شعبوى مناقض، يقوم على نقض الخطاب الدينى الخرافى ظاهريا، ويدفع للتمسك به فى الحقيقة، والدفاع عنه من خلال مهاجمته بصورة غير أخلاقية وبذيئة ومهينة.

هناك حرص شديد من قبل العديد من القوى التى تريد السيطرة والتحكم فى الجماهير على نشر الثقافة الشعبوية، ومقاومة الثقافة المستنيرة والعميقة، أو عدم إفساح المجال لنموها وتطورها؛ فى ظل هيمنة رموز الخطاب الشعبوى الذين أصبحوا يسيطرون على الساحة الثقافية فى كثير من المجتمعات العربية التى تغرق فى التخلف.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شعبوية الثقافة هدف إستراتيجى شعبوية الثقافة هدف إستراتيجى



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon