توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثقافة العمل و ثقافة الكلام

  مصر اليوم -

ثقافة العمل و ثقافة الكلام

بقلم - نصر محمد عارف

 إن أول قوانين التاريخ أن الأمم تنهض بالعمل و المثابرة عليه و تتراجع ثم تنهار عندما تستبدل به الترف والدعة والاعتماد على الغير، ويسيطر عليها الكلام والجدل والخلاف، والعمل ليس مجرد مفهوم أو شعار أو كلمة، وإنما هو أساس لمنظومة قيمية كاملة تشكل الوعى وتطبعه بصفات معينة، وتحدد مفردات الثقافة بل إنها تعيد صياغة البرنامج اليومى للإنسان الذى هو أهم مكونات ثقافته، وتربية الأمم على ثقافة العمل عملية معقدة غاية التعقيد تحتاج إلى تضافر منظومات اجتماعية وسياسية وتنظيمية ونقابية وتعليمية متعددة؛ لأن هذا الأمر يحتاج إلى إعادة بناء شاملة لثقافة مستقرة وراسخة ومتشبعة؛ تنظمها مكونات ومفردات وسلوكيات وعادات. وأهم الوسائل التى يمكن من خلالها إعادة إدماج ثقافة العمل وقيمه فى النظم الثقافية الراسخة لمجتمعاتنا:

أولا: القيام بعملية غربلة وتصفية شاملة للثقافة المتوارثة لفرز القيم الدافعة للعمل والإنجاز وما يتعلق بهما من قيم وسلوكيات واتجاهات واستبعاد تلك القيم و السلوكيات التى تعوق ثقافة العمل أو تنتقص منها أو تضعفها. ويتم ذلك من خلال عمل يقوم به فريق بحثى متعدد التخصصات والخبرات ينكب على إعداد دستور العمل فى ثقافة المجتمع، واضعا نصب عينيه التركيز على القيم المضادة للعمل، وللإنجاز لأنها الأكثر خطورة فى هذا الصدد فما لم تتم تخلية العقول والنفوس من قيم الاتكالية والفردية والانتهازية والترف والدعة والرغبة فى الكسب السهل اليسير، والقناعة السلبية التى تؤدى إلى عدم الإنجاز، واحتقار العمل اليدوي....الخ. ما لم تتم تصفية هذه القيم وإخراجها من الثقافة العامة للمجتمع فلن يكون ممكنا بعد ذلك إدماج القيم الايجابية فى الثقافة لأن القاعدة تقول «التخلية قبل التحلية» فقبل أن نضيف الأفضل يجب أن نزيل الفاسد.

ثانيا: العمل على إدماج القيم الدافعة إلى العمل فى النظم التعليمية خصوصا ما قبل الجامعية أى التعليم الابتدائى والمتوسط والثانوى وذلك بطرق ووسائل حديثة مبتكرة لا تقوم على الوعظ المباشر أو الخطاب الإرشادى التقليدي؛ وإنما تعتمد وسائل غير مباشرة توظف القصة والصورة وتدفع المتعلم إلى الاكتشاف والتنبؤ والتوصل إلى النتيجة المرجوة بعملية عقلية يقودها هو بنفسه لنفسه، ومن ثم فلن يكون لقيم العمل وثقافته موضع محدد من المنهاج الدراسى دائما ستكون جميع المناهج والمواد الدراسية بدءا من اللغة والدين إلى الرياضيات والعلوم مرورا بالدراسات الاجتماعية والفنية، جميعها ستكون مجالا لبث قيم العمل وإدماجها فى ثقافة النشء وتربيتهم عليها منذ نعومة أظافرهم وهنا يجب أن نستفيد من تجارب دول ومجتمعات أخرى مثل ألمانيا، اليابان، كوريا الجنوبية وغيرها، بحيث نعرف كيف استطاعت هذه الدول أن تربى شعوبها تربية تقوم على احترام العمل والترغيب فيه وجعله مصدرا للمتعة الحياتية ومجالا لتحقيق الذات الإنسانية وحصولها على السعادة والطمأنينة فى الحياة.

ثالثا: تفعيل دور وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري، بدءا من التليفزيون والصحافة والراديو وانتهاء بخطبة الجمعة، وذلك من خلال تطوير وسائل جذابة وتشويقية ترغب المجتمع فى العمل وقيمه، وتدفعه لترك القيم المضادة لقيم العمل والتخلى عنها. ويحتاج هذا الأمر إلى حملات إعلامية وإعلانية بل قد يحتاج إلى تخصيص عام يطلق عليه «عام العمل» على أن يكون مقدمة أساسية للنهوض وتحريك الهمم، وتحفيز الناس ودفعهم للالتفات إلى ما تركوه وراء ظهورهم وانشغلوا بغيره من قيم وسلوكيات واتجاهات ايجابية دافعة للعمل و الإنجاز.

رابعا: تفعيل دور النقابات والاتحادات المهنية والنوادى فى ترسيخ نوعية معينة من قيم العمل مثل: فكرة روح الفريق، أو العمل الجماعي، وفكرة التميز، والإنجاز المتفرد، وأفكار التطوير المستمر، والإتقان والكفاءة...الخ. وذلك من خلال عقد دورات تدريبية وورش عمل على مستويات مختلفة للقيادات المهنية، على أن تقوم تلك القيادات بتدريب الصف التالي، وهكذا أى أن يعتمد أسلوب «تدريب المدربين» حتى يتم الوصول إلى قاعدة الهرم العمالى ليكون العامل نفسه قدوة، ونموذجا للمجتمع يدفعه للاقتداء به و تمثله فى حياته.

خامسا: تأسيس مواقع على الشبكة الدولية للمعلومات لنشر قيم العمل والتدريب عليها و إثارة النقاش حولها و ذلك لتحويل هذه القيم إلى مادة للبحث و النقاش ومن ثم تصير جزءا من ثقافة الأمة.

من خلال هذه الخطوات وغيرها يمكن تحويل ثقافة المجتمع من الانشغال بالكلام والجدل والنقاش فى قضايا لا تهم الشخص المتحدث فيها، ولا يستطيع أن يغيرها اويؤثر فيها، وتحويل اهتمام الافراد الى ما يفيدهم مباشرة، وبذلك تنشأ ثقافات فرعية لكل مهنة، ولكل مجال عمل ينشغل بها المنتمون لهذه المهنة، أو ذلك العمل. ما يحتاجه الميكانيكى أن يتابع أحدث الوسائل والابتكارات فى مجاله، لا أن ينشغل به ليل نهار بموضوعات تفرضها عليه برامج الكلام على شاشات الفضائيات، وما يحتاجه الطبيب أن يتابع أحدث الأبحاث والممارسات فى الطب لا أن ينشغل بالسياسة والاقتصاد، وكأنه يدير دولة. ثقافة العمل تعنى ثقافة كل مهنة التى تجعل العاملين فيها يتقنونها.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

 

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثقافة العمل و ثقافة الكلام ثقافة العمل و ثقافة الكلام



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon