توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

موسم الجوافة

  مصر اليوم -

موسم الجوافة

بقلم - نيفين مسعد

غمر نور الصباح مدخل الشقة معلنا بداية يوم جديد، تكسرت الأشعة الذهبية على الأريكة المزركشة والفوتيات الضخمة فى دلال وكسل، امتزج دفء النهار مع بقايا برودة الليل فصنعا جوا لطيفا نصف بارد نصف حار، ضربت الحمامة زجاج النافذة بجناحها وهَدَلَت تريد أن تقول نحن هنا. وفى محيط هذا المشهد النهارى البديع كانت تتحرك صاحبتنا، مدت يدها لتطفئ نور الأباچورة التى تحدد معالم الطريق أمام السائرين ليلا، ففى نور ربنا ما يكفى ويزيد. ارتطمت بقفص الجوافة مازال يقبع مكانه منذ الأمس بجوار باب الشقة ولم تخالجها تجاهه أى مشاعر.. لم يحن الوقت بعد لتنقله إلى محطته الثانية فى المطبخ ولا صَفَت نفسها بعد تجاه زوجها لتقضم إحدى ثمار الجوافة التى أهداها لها.. لم يعتذر لها بعد كما ينبغى.
***

خمسة عشر عاما من العشرة بينها وبين ياسين وكل خلافاتهما تمر بنفس السيناريو، تعاتبه فيستخف، تثور فيغضب، تحزم حقيبتها فيُوَسِط الأولاد، تنتبذ البهو الفسيح فيحمل لها قفصا من الجوافة، تترك القفص حيث هو ثم بسياسة الخطوة خطوة تنقله إلى المطبخ، وبعد ذلك تفرغه فى كيس من البلاستيك وتغلقه.. تحسن غلقه جيدا جدا قبل أن تضعه فى ثلاجتها فليس أكثر نفاذية من رائحة الجوافة، وأخيرا تروح تتسلى على محتويات الكيس ثمرة ثمرة. اليوم مازال قفص الجوافة فى المحطة الأولى من رحلته، نعم يغريها هذا صحيح، لكنها تقاوم، تمر به كلما غدت أو راحت فتتحاشى النظر إليه وتدندن بصوت خفيض أغنية الست: وعزة نفسى مانعانى وعزة نفسى مانعانى !
***

قبل أن تختلط المواسم وتصبح كل الخضر والفواكه متاحة على مدار العام كان ياسين يواجه مشكلة عويصة فى فصل الشتاء فليس فى الشتاء جوافة، وهذا يطيل عمر الخصام. عندما كانا يتناجيان كان يسألها ياسين: لماذا الجوافة بالذات؟ فكانت ترد: القلب وما يعشق.. ثم تضيف أن الجوافة فاكهة الغلابة وهذا يضمن ألا أُحرَم منها أبدا. مرت الأيام ولم تعد الجوافة فاكهة الغلابة ضربها جنون الأسعار كما ضرب كل شيء ولا حيلة لها فى ذلك. حكايتها مع الجوافة صارت مثار تندر الأولاد الأشقياء، فحين كان يلف ياسين الأسواق بحثا عن قفص جوافة دون جدوى كان يخاطبها ابنها الأكبر ممازحا: مشّيهَا يوسفندى المرة دى يا ماما ! فكانت تشيح بوجهها وترد: بل قل لأبيك أن يقصر خلافاتنا على فصل الصيف !
***

والحق أن التوقيت الموسمى لخلافاتها مع ياسين كان أمرا مستحيلا لسبب بسيط هو أن حماتها لم تكن تكف عن التدخل فى شئونها فى كل الأوقات وفى جميع المواسم. خلافهما الأخير مثلا تفجر بعد أن انتقدت حماتها نتائج امتحانات نصف العام لأولادها، وهى كانت تعتبر أن كل ما يخص أولادها هو مجالها الخاص جدا الذى لا تسمح لأحد بالاقتراب منه. التقط المحيطون بها هذه الرسالة منذ سنوات زواجها الأولى فامتنعوا عن التدخل، أما حماتها فلا.
***

لقد وقفت صاحبتنا حياتها على أولادها فلم تعمل رغم ما أتيح لها من فرص وبعضها كان يُغرى، كان قرارها ذاتيا وبعد فترة قصيرة من الصراع الداخلى مع نفسها حسمت أمرها وقرّت فى بيتها. أصمّت أذنيها عن نصائح ثمينة من نوع أن العمل يقوى المرأة أو أن الاستقلال المالى يضمن مستقبلها أو أنها ستشعر بالفراغ حين يكبر الأولاد، تخلت عن فضاءات الخارج بزحامه وأنواره وعلاقاته وتجاربه واكتفت بهذا الممر داخل شقتها، ممر تفتح عليه غرفتان يسكن أولاهما اثنان من الذكور وتسكن ثانيتهما فتاة واحدة، صار هذا الممر وهذا الثلاثى هو كل عالمها، وهى مستعدة للدفاع عنه إلى المدى الأقصى.
***

قبل تعليق حماتها على نتائج الامتحانات كانت هناك تعليقات كثيرة على رياضات الأولاد وملابسهم وتغذيتهم ونظافتهم ورحلاتهم وأصدقائهم... إلخ. وكل تعليق كان يتلوه وعد من ياسين بألا يتكرر الأمر ثانية لكنه كان يتكرر. وعندما كانت تخلو صاحبتنا إلى نفسها كان يحدثها شيطانها بأنها ساذجة يصالحها زوجها بقفص من الجوافة لكنه لا يعالج أبدا جوهر الخلاف، هذه معادلة غير عادلة: تُستباح علاقتها بأولادها دون حق مقابل بعض من ثمار الفاكهة. وفى مواجهة هذا الهجوم كانت تضطر أحيانا أن تدافع عن نفسها، تتجمع حبات اللؤلؤ فى مقلتيها وتقول إن الأمر فى الواقع لا علاقة له بالجوافة، وإن الجوافة هى مجرد ذريعة تتلكأ بها حتى تستمر الحياة وحتى يظل الحبل ممدودا بين غرفتى الأولاد وغرفتها مع ياسين، لكنها غير راضية كل الرضا عن حياتها. تدافع أكثر عن كرامتها قائلة إنها لا تستجيب من فورها لمحاولات الصلح بالجوافة، بل هى تتريث وتؤجل وتنتظر و..... تترك الفرصة لثمار الجوافة كى تنضج ويصبح مذاقها ألذ وأشهى!
***

سال لعابها على سيرة الجوافة الشهية فقررت أن تختزل لها رحلتها الروتينية من باب الشقة إلى الثلاجة ولو على سبيل الاستثناء، حملت القفص بين ذراعيها فى حب ووضعته فى المطبخ كما تفعل دائما، وقبل أن تتخذ ثماره طريقها إلى الثلاجة كانت قد كافأت نفسها بواحدة منها، التقطت ثمرة لامعة كاملة الاستدارة راقت لها وقضمتها بتلذذ.. توغلت فيها أكثر فأكثر، وفى ثوان قليلة امتلأ فم صاحبتنا بعشرات من بذور الجوافة!

 نقلًا عن الشروق القاهرية

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موسم الجوافة موسم الجوافة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon