بقلم - نيفين مسعد
أثار الحديث عن تقدم حكومة جنوب السودان بطلب للانضمام لعضوية جامعة الدول العربية حسب ما يذهب إليه العديد من المصادر - أو للحصول على صفة مراقب بالجامعة وفق ما صرح به وزير الخارجية الجنوبى دينق ألور - جدلا واسعا على المستوى العربى، وكانت لهذا الجدل أصداؤه على مستوى الجوار الإفريقى المباشر لجنوب السودان، فضلا عن إسرائيل بطبيعة الحال صاحبة النشاط الواسع فى القارة الإفريقية. ركزت الآراء العربية الداعمة لإيجاد صلة تنظيمية بين جنوب السودان وبين جامعة الدول العربية على أن هذه الصِّلة تبعد الجنوب عن دائرة النفوذ الإسرائيلى، وتقربه من الموقف العربى فى بعض القضايا المصيرية مثل القضية الفلسطينية وقضايا مياه النيل. وأضاف أنصار تلك الآراء أن مساعى الجنوب للارتباط بالجامعة العربية لها سوابقها وتحديدا فى نهاية عام 2016 أى قرب انتهاء مدة دكتور نبيل العربى كأمين عام للجامعة، ففى هذا العام تقدم الجنوب بطلب الانضمام للجامعة وجرى عرض الأمر على الاجتماع التشاورى الذى يسبق اجتماع مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية، وتم رفض الطلب. ويخلص هؤلاء إلى أنه فى الوقت الذى تُكثِّف فيه قوى دولية وإقليمية وجودها فى إفريقيا بصور وأشكال مختلفة، يدير العرب ظهورهم للقارة الإفريقية ويغلقون أبواب جامعتهم فى وجه جنوب السودان، أخذا فى الاعتبار أن قضية عضوية تشاد أو منحه صفة المراقب هى بدورها من القضايا القديمة/ الجديدة التى تثار فى كل مرة يُنَاقَش فيها توسيع عضوية جامعة الدول العربية.
وأشارت الآراء المعارضة لانضمام الجنوب (أو منحه صفة مراقب) إلى النقطة الخاصة بأن عضويته بالجامعة من شأنها تعقيد العلاقات العربية -العربية وبالذات العلاقات السودانية -العربية بالنظر إلى الخلافات القائمة بين السودان والجنوب، وأنه بفرض أن الإطار العربى سيقدم بديلا مقبولا للجنوب عن علاقته بإسرائيل، فإن ضم الجنوب للجامعة العربية من شأنه أن يدفع السودان بعيدا عن الإطار العربى سواء عبر توثيق علاقته بإثيوبيا أو بتعزيز خطوات انفتاحه على تركيا. وعادة ما يتسلح هذا الفريق بالمبرر القانونى فى رفضه عضوية الجنوب فى الجامعة، على أساس أن المادة رقم 6 من دستور الجنوب تنص صراحة على أن الإنجليزية هى اللغة الرسمية للدولة وهى لغة التعليم فى كل مراحله، وهذا يخالف شرطا أساسيا من شروط الالتحاق بالجامعة العربية. ويزيدون أن المادة 43 المُطَولة من الدستور والخاصة بالسياسة الخارجية لجنوب السودان لا تشير صراحة إلى العلاقة مع الدول العربية بل إلى مجرد التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية وفيما بين دول المنطقة وبعضها البعض، وفى المقابل فإنها تذكر التكامل الإفريقى بوضوح وتحدد التعاون مع الاتحاد الإفريقى بالاسم.
فى التعليق على هذه القضية الشائكة لى ثلاث ملاحظات أساسية، الملاحظة الأولى هى أن عضوية الجنوب أو تمتعه بصفة مراقب فى الجامعة العربية ليست موضع اتفاق داخلى بين الجنوبيين أنفسهم. وقد استعرضت جريدة «الرأى اليوم» جانبا من المنطق الجنوبى الذى يميز ما بين تأييده للانفتاح على الدول العربية وبين تحفظه على مسألة الانضمام للجامعة العربية. ويرتبط الخلاف حول هذه الجزئية التفصيلية الخاصة بالعلاقة مع الجامعة بالخلاف حول موضوع أكبر وأهم يتعلق بهوية الجنوب، وهذا الأخير له جوانبه التاريخية والثقافية والسياسية شديدة التعقيد. ومن الضرورى والجنوب يعيش على وقع صراع داخلى دام منذ عام 2013 وحتى يومنا هذا أن نسأل أنفسنا عن تداعيات ضم الجنوب للجامعة - أو حتى إعطائه صفة المراقب- على درجة تصعيد هذا الصراع وخلط المواقف والأوراق.
الملاحظة الأخرى أن الربط بين توثيق العلاقات العربية -السودانية وبين ضم دولة جنوب السودان للجامعة العربية مسألة تحتاج لإعادة نظر. وذلك أن هذه العضوية ليست ضمانة لتعزيز العلاقات بين الدول الأعضاء، ولا أدل على ذلك من الأزمة القطرية التى لا تضرب الجامعة العربية وحدها بل تضرب مجلس التعاون الخليجى نفسه الذى كان يُنظَر له باعتباره التجمع الفرعى العربى الوحيد الصامد فى مواجهة كل الأعاصير. وليس هناك ما يمنع من تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع جنوب السودان على أسس ثنائية أو ثلاثية أو فى إطار الاتحاد الافريقى، بل ربما كانت هذه الأطر أسلم للحفاظ على استقرار أكبر لتلك العلاقات.
يقودنى ذلك للملاحظة الثالثة والأخيرة وهى أن مصر تقدم نموذجا مهما لمثل هذا التعاون الثنائى الوثيق مع جنوب السودان، فلقد طورت مصر شبكة من العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياسية بدولة الجنوب جديرة بالاحترام . وللتمثيل فقط أحيل على ثلاثة نماذج لهذا التعاون، توقيع اتفاق القاهرة فى نوفمبر الماضى لتوحيد فصائل الحركة الشعبية لتحرير السودان كجزء من جهد مصرى أشمل لاحتواء الصراع فى الجنوب، وإبرام وزارة الدولة للإنتاج الحربى قبل شهرين بروتوكولا للتعاون مع جنوب السودان لإنشاء منطقة صناعية كبرى فى ولاية جوبك الجنوبية كجزء من دور مصرى أكبر فى دفع عملية التنمية فى الجنوب، وافتتاح فرع لجامعة الإسكندرية فى ولاية واراب الجنوبية كجزء من إسهام مصرى أعم فى مجال التعليم ويرتبط بذلك تخصيص عدة منح لأبناء الجنوب للدراسة فى الجامعات المصرية.
خلاصة الكلام أن مداخل محاربة النفوذ الإسرائيلى فى جنوب السودان كثيرة ومتعددة ولا تمر بالضرورة عبر مدخل جامعة الدول العربية، بل أزعم أن مدخل الجامعة العربية ليس أفضل مداخلها على الأقل فى الوقت الراهن .
نقلا عن الاهرام القاهرية