توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رحيل صانعة البهجة

  مصر اليوم -

رحيل صانعة البهجة

بقلم - نيفين مسعد

هذا مقال نسائى بامتياز، أعنى أنه لن يجد اهتماما إلا من النساء بل وحتى من بعض النساء، لكن لا بأس من الكتابة أحيانا عن شيء مشترك مع جزء من الآخرين.

فى كل مرة خطفت الألوان المبهجة نظرى كانت علامة كيت سبيد تٰذَيِل المنتج الذى أتفحصه، قدرة فائقة على مزج الألوان التى عشنا وتربينا على أنها متنافرة فإذا بها تتآلف وتمتزج بكل ارتياح، اللون الفوشيا مع البرتقالى كلاهما من الألوان الفاقعة التى يحسن إطفاء وهجها بلون محايد كاللون الرمادى أو بلون داكن كاللون الأسود، لكن كيت سبيد كانت قادرة على أن تجمع الوهجين معا فى حافظة نقود صغيرة أو فى حقيبة يد مبتكرة أو فى مظلة مزركشة أو فى دفتر للكتابة أو..أو..، فإذا بالعين تتجول على المُنتَج من الخط الفوشيا إلى الخط البرتقالى بسلاسة تامة كما تنتقل الأذن من نغمة لأخرى من نغمات البيانو بمتعة لا مزيد عليها ولا منافس لها. ألوانها تضج بالحياة، تكاد تنطق، تقول لك أنا هنا، أصفرها بزهوة أشعة الشمس وأخضرها بطزاجة عشب الربيع وأزرقها لا يُقاوَم وأحمرها متقد. قالوا فى وصف كيت سبيد إنها إمبراطورة الموضة وإنها إمبراطورة الحقائب، أما الحقيقة فهى إنها كانت إمبراطورة الألوان المبهجة.

***

لم أتخيل أن يوما ما سيأتى عليّ لأكتب عن مصممة الأزياء الأمريكية كاثرين بروسناهان ــالمعروفة باسم كيت سبيدــ فلا أنا اهتممت بالتعرف عليها من قبل، ولا اعتنيت بالبحث عن كيف وصلت إلى ما وصلت إليه من شهرة، لكن شيئا ما فى تفاصيل وفاتها ظل يطاردنى طيلة أسابيع ثلاثة لأفعل، وأخيرا رضخت. فى أحد صباحات شهر يونيو الجارى كان كل شيء فى منزل كاثرين أو كيت يبدو عاديا عندما دخلت معاونتها لتمارس مهامها كالمعتاد فوجدت ربة المنزل فى حال غير الحال. لفّت كيت إيشاربا طويلا حول عنقها وربطته فى باب غرفتها وأخذت تبتعد عن الباب وتبتعد، والخناق يضيق حول عنقها ويضيق حتى تصبب عرقها ولهثت أنفاسها وحشرجت ثم غابت. قمة التناقض أن تتخذ كيت من أحد إيشارباتها ذات الألوان المبهجة أداة لتفارق بها الحياة، لكن يبدو أن هذه المبدعة أرادت أن تروج لبضاعتها حتى وهى تلفظ أنفاسها الأخيرة، فلا شك أن هذا الإيشارب سيشتهر ومن يدرى فلعل أحد المهووسين بشراء مقتنيات الفنانين يدفع فيه مئات الآلاف من الدولارات ويقتنيه، فهل أحبت كيت فنها إلى هذه الدرجة حتى أنها فكرت فى وضع توقيعها على وسيلة خنقها؟، أم أن خلافاتها مع زوجها هى السبب فى تخلصها من حياتها كما ردد البعض؟ ولو صح ذلك فهل أرادت كيت أن تقول لزوجها صنعنا هذا الإيشارب معا لكنى آخذه معى بغير رجعة ؟ لا أحد يدرى، ذهبت كيت وذهب معها سرها.

***

وضعت كيت اللبنة الأولى لإمبراطوريتها ــإمبراطورية الألوان المبهجةــ فى عام ١٩٩٣ بالاشتراك مع الرجل الذى تزوجته لاحقا آندى سبيد، واتخذ هذا المشروع المشترك اسما له هو كيت سبيد. جزء من الاسم كان مشتقا من الاسم الأصلى لمصممة الأزياء:كاثرين، والجزء الآخر كان مشتقا من اسم زوجها: سبيد، كانت الشراكة إذن تامة ومن لحظة البداية. ومع ذلك فإن شهرة هذه الإمبراطورية كانت من نصيب المرأة بالأساس فباتت هى كيت سبيد وكيت سبيد صارت هى، ولم يعد أحد يذكر سبيد أو نصفها الآخر فى الحياة والعمل معا. هذا التوحد التام بين مصممة الأزياء وعلامتها التجارية كان يمثل بلا شك مصدر سعادة بالنسبة لها، لكن لعله تَحَول بمرور الوقت إلى لعنة تطاردها ولا تملك منها فكاكا. فى عام ١٩٩٩ قام الثنائى كيت وسبيد ببيع أكثر من نصف شركتهما لشركة كوتش، وأظن أن هذه كانت الخطوة الأولى نحو شعور المرأة بالاكتئاب. وفى عام ٢٠٠٧ قام الزوجان ببيع ما تبقى من نصيبهما فى شركة كيت سبيد، ومع أن السبب الذى أُعلِن لهذه التصفية كان سببا مقنعا فى حينه وهو رعاية ابنتهما الوحيدة التى كان يبلغ عمرها عامين، إلا أن هذه أظنها كانت خطوة أخرى على طريق اكتئاب كيت. نعم هى عادت لتنشط مجددا فى عام ٢٠١٦ وتؤسس مع زوجها شركة جديدة باسم فرانسيس ڤالانتاين، لكن شهرتها الأولى كانت الأهم، البدايات دائما لها مذاق خاص فهذا التحدى ونحن بعد فى سنواتنا الأولى يُحمِسنا.. يفجر طاقاتنا ويخرج أفضل ما فينا، حتى إذا رحلت كيت ذكرها الجميع باسم مشروعها الأول كيت سبيد وليس باسم مشروعها الثانى والأخير فرانسيس ڤالانتاين.

***

فى مقال مطول نشرته صحيفة The NewYorker عن كيت بعد وفاتها حكت كاتبته راشيل سايم حكاية شديدة الدلالة عن مبلغ الألم الذى ظل يلازم كيت بعد أن باعت شركتها، تقول الحكاية إن مصممة الأزياء عندما دخلت فى العام الماضى للتسوق من شركتها وسألها من يجلس على الخزينة سؤالا معتادا هو: هل يوجد اسمك على قائمة إرسالنا؟ أحست بغصة فى حلقها إذ كيف يُوَجَه لها هذا السؤال وهى مؤسسة الشركة وكيف بالرجل لا يعرفها وصورها مفترض أنها تملأ الصحف والمجلات. ابتلعت كيت المفاجأة وردت بالنفى، ثم استطردت قائلة: لا أنا لست على قائمة إرسال شركتكم لكننى ساهمت فى خلقها!

***

يدخل حياتنا بشر كثيرون يبهجوننا بأشكال مختلفة ويخرجون منها أحيانا بطرق مأساوية، وقد كانت كاثرين بروسناهان واحدة من هؤلاء فلقد أبهجتنا ببهرجة ألوانها وغادرتنا بأشد الوسائل قسوة وإيلاما.

نقلا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحيل صانعة البهجة رحيل صانعة البهجة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon