توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التجربة الماليزية وقضية التمييز العنصرى

  مصر اليوم -

التجربة الماليزية وقضية التمييز العنصرى

بقلم - نيفين مسعد

فى شهر سبتمبر الماضى ألقى مهاتير محمد السياسى المخضرم العائد إلى رئاسة الحكومة الماليزية بعد خمسة عشر عاما من تركه لها، خطابا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حفل بالعديد من النقاط المهمة، لكننا نتوقف فيها على ما يخص موضوع المقال. حمل مهاتير محمد على حزب المنظمة الوطنية الملاوية المتحدة الذى أتت منه كل حكومات ما بعد الاستقلال عام 1957، ووصف الحكومة السابقة تحديدا لنجيب عبد الرزاق بأنها نشرت الكراهية والتعصب العرقى والدينى الأعمى كما نشرت الفساد على نطاق واسع . والحال كذلك انتقل مهاتير محمد للنقطة التاسعة التى قال فيها إن حكومته تتعهد بالانضمام إلى كل ما تبقى من اتفاقيات دولية لحماية حقوق الإنسان. وأضاف أن هذا الأمر ليس سهلا، لأن ماليزيا مجتمع متعدد الأعراق والأديان والثقافات واللغات، لكن الحكومة ستفسح الوقت والمجال اللازمين ليتحاور الجميع بحرية وعلى قاعدة الديمقراطية .

هذا الكلام النظرى كلام جميل لكنه بدا مستغربا على مهاتير محمد، لأنه على مدار فترة حكمه التى امتدت إلى اثنين وعشرين عاما كان له موقفه الرافض بالذات للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصرى التى تعد واحدة من أهم اتفاقيات الأمم المتحدة ، فما باله يتحدث من منبر الجمعية العامة عن التعهد بالتصديق على كل الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان؟ لقد أسس مهاتير محمد موقفه السابق من الاتفاقية المذكورة على أساس أنها تتعارض مع نص المادة 153 من دستور ماليزيا الذى يحتفظ بالسلطة السياسية للملاويين المسلمين ، لكن المسألة أعمق من نص دستورى قابل للتعديل، فثمة توازن قلق فى ماليزيا ما بين الملاويين المسلمين الذين يمثلون نحو 60% من السكان وبين القوميات الأخرى وبالذات القومية الصينية التى تمثل نحو 20% من إجمالى السكان وتتوزع على أكثر من ديانة . مبعث هذا القلق أن القومية الصينية التى وفدت إلى ماليزيا فى ظل الاحتلال البريطانى شأنها شأن نظيرتها فى أى دولة أخرى عادة ماتكون بارزة اقتصاديا ونشطة تجاريا بشكل ملحوظ، وفى حالة ماليزيا فإن هذا الوضع خلق فجوة بين الصينيين وبين الملاويين حاول رؤساء الحكومات المتعاقبة تقليلها ما أمكن . وبالتالى وجد الملاويون أن احتفاظهم بالتفوق السياسى يمثل حصانة لهم تحول دون تهميشهم . وإضافة إلى تعقيدات تعديل المادة 153 من الدستور فإن مهاتير محمد فى كتابه المعضلة الماليزية فى السبعينيات كانت له رؤية ثقافية تمييزية بين الملاويين الروحانيين المتسامحين السلسين وبين غير الملاويين خصوصا الصينيين الماديين العدوانيين! وفى الأيام الأخيرة الماضية تم إخراج هذا النص المقتبس من كتاب مهاتير محمد لإثارة علامات استفهام أو حتى علامات تعجب على خطبته فى الجمعية العامة التى بدت وكأنها خارج السياق .

ردا على تعهد رئيس الوزراء الجديد بالانضمام لكل اتفاقيات حقوق الإنسان بما فيها الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصرى، تداعى الملاويون للتظاهر فى قلب العاصمة كوالالمبور واستجاب للدعوة عشرات الألوف الذين جاءوا من مختلف أنحاء البلاد، فما كان من مهاتير محمد قبل المظاهرة إلا أن أعلن صرف النظر عن الانضمام لاتفاقية القضاء على التمييز دون أن يعطى الموضوع فرصة للنقاش كما ورد فى خطابه بالأمم المتحدة، بل هو عدل عن موقفه فجأة كما قرر ما قرره أمام الجمعية العامة فجأة. و لم يحل هذا التحول الذى وصفه البعض بالـ u-turn دون انعقاد المظاهرة كما كان مقررا لها لكن هدفها تحول من الاحتجاج إلى التأييد، واحتشد الملاويون يوم الأحد الماضى وهم يرتدون ثيابا بيضاء ويرددون شعار الله أكبر ويرفعون أعلاما عليها الشهادة، بل إن بعضهم اعتبر أن الاتفاقية المشار إليها هى اتفاقية موجهة ضد الملاويين وضد الإسلام. هكذا وكما يحدث فى العديد من الأزمات السياسية يتم تصوير الأمر على أن المستهدف هو الإسلام كدين وليس الملاويون كمكوّن من مكونات المجتمع الماليزى يدين أهله بالإسلام ، ويصبح المعنى البغيض الذى يتسرب من أمثال هذه الأحاجى السياسية أن الإسلام مع العنصرية وضد المساواة ، وكأن الإسلام لا يرفض العنصرية إلا إن كان المسلمون أقلية فى مجتمع من المجتمعات، فهنا فقط يتم استدعاء مفردات المساواة والعدالة والمواطنة والديمقراطية ...إلخ.

إن كان مهاتير محمد يبحث بعدوله عما جاء فى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن توسيع شعبيته بين الملاويين فقد تحقق له ما أراد لكنه يقينا خسر أصواتا انتخابية كانت قد ذهبت إليه من غير الملاويين ، لكن هذا ليس هو الخطير فى الأمر، لأن مهاتير فى النهاية هو فرد ، أما الخطير جدا فهو اللعب بورقة العرق، خصوصا العرق المختلط بالدين كما هو فى حالة ماليزيا، وليس هناك من ينصح الطبقة السياسية الحاكمة فى ماليزيا بهذا الخصوص أكثر من تاريخ الدولة نفسه،  ففى انفصال سنغافورة عنها وفى الصراع الدموى بين القوميتين الملاوية والصينية نهاية ستينيات القرن الماضى ما يكفى ويزيد من نصائح وعظات .

نقلا عن الاهرام

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التجربة الماليزية وقضية التمييز العنصرى التجربة الماليزية وقضية التمييز العنصرى



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon