توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قراءة فى تقرير المساواة

  مصر اليوم -

قراءة فى تقرير المساواة

بقلم - نيفين مسعد

 أزعم أن معظم من علق على تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة فى تونس لم يقرأ التقرير، إنما كوّن انطباعه عنه عن طريق وسطاء من إعلام ووسائل تواصل اجتماعى وما أشبه، فالتعليقات الفورية على التقرير يصعب أن نتصور ارتكازها على قراءة تقرير ضخم من 229 صفحة بخلاف الفهرس. ومثل هذه الأحكام الانطباعية خطيرة لأن موضوع التقرير شائك بطبيعته وينبغى التحلى بكل الحذر الممكن فى التعاطى معه، فلا ننسى أن من حاول اغتيال أديبنا الكبير نجيب محفوظ كان جاهلا لكنه سمع أن محفوظا كتب رواية تمس الذات الإلهية فحكم عليه بالكفر. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التونسية فإن التوظيف السياسى للتقرير احتمال قائم من جانب طرفى الحكم فى تونس: النداء والنهضة. على صعيد آخر فإن بعض من يوغلون فى مهاجمة التقرير أو الترحيب به من غير التونسيين إنما يفعلون ذلك من باب الكلام لك يا جارة، بمعنى أنهم يقطعون الطريق على أى مبادرة مماثلة فى المستقبل، أو يختبرون رد فعل مجتمعاتهم إن فكروا فى تكرار التجربة التونسية.

الموضوع إذن معقد وجدير بالتعامل معه بالوعى والمسئولية اللازمين، لذلك سوف أخصص هذا المقال ومقال الأسبوع المقبل للإجابة عن مجموعة من الأسئلة الرئيسيّة أبرزها: ماهى الفلسفة التى استند إليها التقرير؟ وما هو المنهج الذى اتبعه كاتبوه فى مقاربة الحقوق والحريات الفردية؟ ماهو موقف التقرير من مسألة المساواة فى الميراث؟ ماذا أضاف هذا الموقف إلى حقوق المرأة التونسية وكيف يمكن أن ينعكس على الاستقطاب الحاصل فى تونس؟ وقبل الشروع فى إجابة هذه الأسئلة يهمنى توضيح أمرين، الأول أن معالجتى للموضوع ستكون معالجة سياسية حقوقية وليست دينية، فلست متخصصة فى العلوم الشرعية وأنا أحترم التخصص. والثانى أن اختيارى التوقف مليا أمام مسألة المساواة فى الميراث مبعثه أنها أحيطت بالقدر الأكبر من اللغط.

أبدأ بفلسفة التقرير، وهذه الفلسفة قائمة على أساس أن الحقوق والحريات الفردية تعرضت للتهميش على مدى التاريخ لصالح الحقوق والحريات الجماعية، وأنه قد آن الأوان للاهتمام بالنوع الأول من الحقوق والحريات التى تُعرَف بأنها تلك التى تثبُت للفرد بذاته ولا يحتاج فى ممارستها لغيره. وزاد من هذا الخلل التركيز فى إطار الحريات والحقوق الفردية على الحق فى الأمان الشخصي، وهو مهم بالتأكيد لكن هناك العديد من الحقوق والحريات الفردية الأخرى الجديرة بالحماية كالحق فى حماية الحياة الخاصة والحق فى الكرامة وحرية الرأى والتعبير..إلخ.

بالانتقال لمنهج التقرير سنجد أن كاتبيه يصفونه بأنه منهج تشاركى بمعنى أنه اعتمد على التناقش مع أطياف واسعة من المجتمع التونسي. لكن فى الحقيقة فإن المنهج المتبع أكثر تعقيدا من ذلك، إذ يمكن أن أضيف إلى هذه التشاركية أربع خواص أخرى أساسية ميزت التقرير. الخاصية الأولى هى المقارنة بين النصوص الخاصة بالحقوق والحريات الفردية فى الدستور التونسى والقوانين التونسية وبين النصوص الواردة فى المواثيق الدولية والإقليمية التى انضمت إليها تونس، وفى هذا الصدد كان الجهد المبذول ضخما لرصد أوجه الشبه والاختلاف. الخاصية الثانية هى أن التقرير جمع ما بين اقتراح تعديلات جزئية فى النصوص الدستورية والقانونية وبين اقتراح تعديلات كلية لها، ومن التعديلات الجزئية التى اقترحها- الاقتراح الخاص بضبط تعبير منع التكفير الوارد فى الدستور لأن مصطلح التكفير مُختَلَف عليه ويتداخل مع مصطلحات أخرى كالردة والزندقة، والاقتراح الخاص بتوسيع نطاق تعريف جريمة التعذيب المنصوص عليها فى القانون ليتلاءم مع تعريف الاتفاقية الدولية ذات الصِّلة. أما التعديلات الكلية فإنها تتعلق بمسألة المواريث التى قدم لها التقرير تصورا متكاملا يتجاوز حالة المناصفة فى نصيبى وريثين أحدهما ذكر والآخر أنثي. الخاصية الثالثة هى أن التقرير فى معظم الأحيان أعطى أكثر من اقتراح لتعديل النصوص الدستورية والقانونية مع توضيح الرأى الذى يفضله، وهذا منهج توافقى متدرج لا علاقة له بكل ما قيل عن إقصاء المختلفين مع توجه التقرير. وكمثال فيما يخص عقوبة الإعدام ذكر التقرير أن الدستور لم يمنع هذه العقوبة لكنه ربطها بالحالات القصوى وهذه يحددها القانون، لذلك فإن التقرير اقترح بديلين، البديل الأول إلغاء العقوبة تماما تماشيا مع ما ذهب إليه ثلثا دول العالم وهذا ما يفضله، والبديل الثانى تضييق الحالات القصوى الموجبة للإعدام بنص الدستور بحيث تنحصر فى جريمة القتل دون غيرها. بطبيعة الحال يمكن السؤال لماذا لم يقترح التقرير بديلا ثالثا هو تجميد مؤقت لهذه العقوبة كما فى أحد بنود العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية لتوسيع دائرة الاختيار، لكن هذا النوع من الأسئلة لا يثيره أحد. الخاصية الأخيرة هى أن التقرير وإن دافع عن مدنية الدولة من أوله إلى آخره إلا أنه بنى العديد من اقتراحاته على أسانيد دينية، سواء فى دفاعه عن الفقه المقاصدى فى التعامل مع النصوص الدينية، أو فى حشده العديد من اجتهادات الصحابة مع وجود النصوص الدينية استجابة لمتغيرات العصر، وهذا يجعل التقرير يقف موقفا دفاعيا يضعف أساسه المنطقي.

إن التقرير الذى بين أيدينا هو تقرير جاد فيه جهد كبير مبذول، لا يجوز الاجتزاء منه، ومن المهم أن يأخذ حقه من النقاش بالمستوى نفسه من الجدية.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قراءة فى تقرير المساواة قراءة فى تقرير المساواة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon