توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المصالحة الواجبة مع المجتمع المدنى

  مصر اليوم -

المصالحة الواجبة مع المجتمع المدنى

بقلم : زياد بهاء الدين

المجتمع المدنى فى العالم كله ليس طرفا دخيلا ولا ضيفا ثقيلا على البلد، بل هو شريك أساسى فى التنمية وفى صنع القرار ومصدر للموارد والجهود والأفكار التى تدعم برامج الحكومة التنموية، سواء أكان ذلك فى مجال الحد من الفقر أم تحسين الخدمات العامة أم نشر الوعى بقيم العدالة والمساواة والمواطنة. والدول التى تدرك قيمة المجتمع المدنى تكون حريصة على أن توفر لمنظماته والعاملين فيها الظروف المناسبة لتشجيع نشاطهم وتوفير المناخ الذى يكفل حمايتهم. وهذا لا يعنى أنها دول غافلة عن الرقابة على النشاط الأهلى والتحقق من أنه لا يخالف القانون أو يستغل لتسهيل التدخل الأجنبى فى شئونها الداخلية، بل لديها جميعا قوانين وجهات رقابية تراقب النشاط الأهلى وتتابع التمويل الوارد إليه من الخارج ولكن بشكل حديث ومتوازن لا يؤدى لتضييق الخناق عليه إلى الحد الذى يحرم البلد من الإضافة الكبيرة التى يقدمها للمجتمع.

وسبب الاهتمام بالمجتمع المدنى وبرعايته أن الجهاز التنفيذى فى أى بلد، مهما توافرت له الموارد، لا يمكنه أن يلبى جميع احتياجات المواطنين أو ينجح فى التواصل معهم والاستجابة لمطالبهم. أما المنظمات الأهلية فإنها تنشأ من المجتمع وبين الناس وتتعامل مع مشكلاتهم اليومية عن قرب ولديها القدرة على حشد الجهود التطوعية والموارد والمساهم فى التنمية وملء الفجوات البعيدة عن إمكانات وأدوات الجهاز التنفيذى، ولهذا فإنها مكملة لدور الدولة ولكن ليست منافسة له ولا بديلة عنه.
ولكن الوضع فى مصر، وبسبب تطورات وسوء فهم متراكم على مدى عقود طويلة، أصبح مقلوبا. التصور العام السائد فى الدوائر الرسمية أن المجتمع المدنى دخيل على الدولة ومخترق من الجهات الأجنبية وعامل للهدم والتخريب ومنافس للسلطة التنفيذية، ولهذا فلابد من تقييده وتحجيمه والحد من آثاره السلبية قدر الإمكان.
والتقييد الذى أقصده هنا ليس مرتبطا فقط بالتمويل الأجنبى وحده كما يتردد كثيرا فى الإعلام، فهذا ليس إلا موضوعا واحدا مما يشغل الجمعيات المصرية وليس أهمها. القيود الأشد وطأة هى تلك التى تؤثر على النشاط اليومى: الموافقات اللازمة لتنفيذ كل نشاط حتى ما هو منصوص عليه فى النظم الأساسية، والإجراءات المعقدة لفتح الحساب أو تغيير المقر أو تعديل مجلس الإدارة أو تلقى التمويل من أفراد وجهات مصرية أو غير ذلك من أوجه النشاط المعتاد التى تعرقل نشاط الجمعيات وتجعلها تنفق جهودا وموارد الأجدر أن يتم توجيهها للنشاط الذى تخدم به المجتمع.

ولكن هل المشكلة فى القانون؟ أم فى أسلوب تطبيقه؟ أم غير ذلك؟
القانون بالتاكيد قلب المشكلة وأساسها. فالقانون الصادر العام الماضى (رقم ٧٠ لسنة ٢٠١٧) فى غفلة من الزمن ومن المنطق ودون حتى استشارة وزارة التضامن الاجتماعى المسئولة عن تطبيقه، هو الأسوأ فى سلسلة قوانين متعاقبة من منتصف الستينيات، كلها سيئة ومقيدة للمجتمع المدنى وإن كان القانون الأخير غلبها جميعا لأنه مثل تراجعا حتى عن المكتسبات البسيطة التى انتزعتها الحركة الأهلية خلال العقود الماضية. هذا القانون بحاجة للمراجعة دون حساسية من جانب الدولة أو اعتقاد بأن وراء كل مطالبة بتعديله أو تخفيف قيوده يقف جهاز استخباراتى أجنبى أو مؤامرة داخلية.

ولكن تعديل القانون، حتى لو حدث، لن يكون كافيا لإزالة حالة التوجس السائدة فى الدوائر الرسمية تجاه المنظمات الأهلية. هناك حاجة لمصالحة اكثر شمولا مع المفهوم ذاته، تعيد توضيح طبيعة الدور الحيوى الذى يملك أن يمارسه المجتمع المدنى لو أتيحت له الفرصة، والقيمة المُضافة الهائلة التى بمقدوره أن يقدمها فى مختلف مجالات التعليم والصحة والثقافة والتوعية وحماية حقوق الفئات الضعيفة وتنمية المناطق المحرومة وغيرها مما يحتاجه المجتمع فى ظل الوضع الاقتصادى الحالى أكثر من أى وقت مضى.

من حق الدولة، بل واجبها، ان تراقب المجتمع المدنى وتتحقق من عدم استغلاله لتهديد أمن الوطن على نحو ما تفعل مع أى قطاع أو نشاط آخر. ولكن لا داعى لأن تتحول الرقابة إلى قيد عَلى الحرية وعلى النشاط يضيع على البلد فرصة الاستفادة بموارد وجهود ونوايا حسنة، بل يجب فتح صفحة جديدة مع المجتمع المدنى تتيح للدولة القيام بواجباتها الرقابية ولكن بالأسلوب والمنطق والأدوات التى لا تحرم الوطن والمواطنين من هذه الطاقة التنموية الهائلة.

نقلا عن الشروق

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المصالحة الواجبة مع المجتمع المدنى المصالحة الواجبة مع المجتمع المدنى



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon