توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لا تظلموا الإنسان المصرى

  مصر اليوم -

لا تظلموا الإنسان المصرى

بقلم - فاروق جويدة

كان الحريق داميا وكانت صورة الأجساد التى تحاصرها النيران تطرح أكثر من سؤال حول أجهزة مقاومة الحرائق، وكيف اندفع هذا السيل من السولار من خزان الجرار ليغطى المكان كله.. لقد اختفت ملامح الضحايا تماما وازداد عدد المتوفين والمصابين وبقيت صورة الحريق تؤكد أن السبب مجهول، وأن الخطأ مجرد إهمال ولم تكن المرة الوحيدة التى تشهد فيها السكة الحديد مثل هذه الكارثة فقد سبقتها كوارث أخرى كثيرة أخذت مكانها فى سجلات القضاء والقدر أو ضد مجهول أو انتهت إلى عزل مسئول أو استقالته..

> كانت هناك محاولات ساذجة من الإعلام لتغطية أحداث الكارثة ويرجع ذلك إلى فهم خاطئ بأن إخفاء الحقائق يمكن أن يكون وسيلة لتضليل الناس وهذه أساليب قديمة عاشها المصريون كثيرا فى أزمنة سبقت وقد اعتادوا عليها خاصة أن المسئولية كانت دائما تقع على الشعب ونسينا وسط هذه الاتهامات أن هذا الشعب تحمل تقلبات كثيرة ودفع ثمنا باهظا لأخطاء جائرة فى سلطة القرار ولم يكن من حقه أن يناقش وأن يضع المسئولية فى أعناق أصحابها..

> إن الغريب فى الأمر أن هذا المرفق كان يوما من أهم المرافق فى الدولة المصرية وكان واحدا من أقدم وسائل النقل التى سبقنا فيها العالم كله.. لقد شهدت السكة الحديد انهيارات كثيرة فى السنوات الماضية ما بين الإهمال والتخبط حتى تحولت إلى كتل حديدية تهدد كل يوم الآلاف من البشر.. إن السكة الحديد هى أكثر مرافق مصر تعرضا للحوادث وأكثر مواقع المسئولية التى شهدت عزل الوزراء أو استقالتهم، وقبل هذا كله هى مؤسسة شاخت وأصبحت عاجزة عن القيام بمسئوليتها..

> إننا فى كل كارثة أو محنة نلقى المسئولية على الإنسان المصرى.. انه دائما الكسول المتراخي العاجز عن تحمل المسئولية.. إن هذا المواطن هو الذى يشعل الحرائق ويقتل المواطنين ويسفك دماء الأبرياء.. إن اللعنة تنصب دائما على هذا الشعب المسكين الذى عبثت به كل رياح التغيير وعواصف الزمن.. انه لا يحب العمل.. وليس له فى التميز وهو لا يستطيع أن يكون مثل الآخرين ..هذه هى صورة الإنسان المصري الذى أدين دائما فى كل الجرائم والأحداث.. ولكن هل من الإنصاف أن نقبل ذلك دون أن نراجع أسباب هذه الظواهر.. لماذا لا نواجه أنفسنا بالحقيقة بأن وراء هذا الشعب سلطات تتغير وحكومات تأتى وتذهب ومسئولين فوق الحساب.. إن هذا الإنسان يتعرض منذ عشرات السنين لأشياء غيرت مساره وأخلاقه ودينه وثوابته وفكره ومرجعياته..

> منذ عشرات السنين كانت السكة الحديد تحفة فنية رائعة وكان القطار المصري من أنظف وسائل النقل فى العالم وكانت تقدم خدمة لا تقل فى مستواها عن الخدمات فى دول أوروبا كانت محطة مصر لا تقل جمالا وبهاء وتحضرا عن محطة لندن العريقة.. لماذا نلقى المسئولية دائما على الإنسان المصري وكأنه مسئول عن كل ما لحق به من الكوارث والأزمات لماذا لا تكون لدينا الشجاعة أن نعترف أن هناك مظاهر كثيرة وظروفا صعبة عاشها هذا الإنسان حتى وصل إلى هذه الحالة..

> هل الإنسان المصري يتحمل مسئولية الشطط الديني الذى أصاب عقل الأمة ودمر أجمل ما فيها بحيث زادت مواكب الصلاة وارتفعت رايات الإرهاب..

> هل الإنسان المصري مسئول عن فساد منظومة الأخلاق ولدينا آلاف الشواهد فى ارتفاع نسبة القتل والجرائم الأسرية وعمليات الاغتصاب والتحرش ونهب المال العام وفساد الإدارة وانتشار الرشاوى..

> هل الإنسان المصري هو الذي نشر الأمية بين ملايين المواطنين وحرمهم من نعمة العلم وتركه حائرا عشرات السنين فى ساحة الجهل والتخلف، أن أول دستور فى مصر 1923 حمل رسالة مهمة تؤكد ضرورة محو أمية المصريين وبعد عشرات السنين زادت نسبة الأمية..

> هل الإنسان المصري هو الذي منح المناصب والمسئوليات لمن لا يستحقها من أهل الثقة وضرب عرض الحائط بالخبرات والتميز وقدرات النابغين من أبناء هذا الشعب..

> هل الإنسان المصري هو الذى صنع منظومة الفقر التى فرضتها قرارات وسياسات مرتجلة ما بين الاشتراكية والرأسمالية والانفتاح والسداح مداح.. إن الفقر لم يكن اختيارا شعبيا أراده المصريون لأنفسهم وهم ينتقلون بين سياسات متخبطة وصلت بهم إلى ما هم عليه الآن..

> هل الإنسان المصري هو الذى أفسد ثقافته وتاريخه وضلل الناس بالأكاذيب.. وبعد أن كان الإنسان المصري نموذجا فى الإبداع والترفع والقيمة سقط فى متاهات سحيقة من الفن الهابط والإبداع المريض..

> هل الإنسان المصري هو الذي خلق لغة الحوار والبذاءات أم انه لم يجد من يحميه من هذا الإسفاف الذي نشاهده كل يوم على وسائل التواصل الاجتماعي، وفيها رموز اجتماعية فى كل المجالات وهى لا تجد من يمنعها من ذلك..

> هل الإنسان المصري هو الذى فتح الأبواب أمام صرخات المتشنجين والمغامرين على الفضائيات وهم يقدمون أسوأ أنواع القدوة فى الردح والتجاوز ولغة الشوارع..

> هل الإنسان المصري هو الذي أحرق العشرات فى محطة مصر وهو فى النهاية كان الضحية ما بين فتاة صغيرة وطفلة تائهة وطبيب كان يستعد للسفر للحصول على شهادة الزمالة من انجلترا ومات محترقا فى المحطة العتيقة..

> لا تظلموا الإنسان المصري فى كل هذا وينبغي ألا نلقى المسئولية على شعب لم يجد فى يوم من الأيام من يرحمه كما قال الرئيس عبد الفتاح السيسى يوما.. إن هذا الشعب لم توفر له عشرات الحكومات السابقة الحياة الكريمة.. صادرت أمواله تحت شعار الاشتراكية وباعت أصوله تحت أكاذيب الرأسمالية وقالت له لا صوت يعلو فوق صوت المعركة وتركته يموت جوعا..

> إذا كان ولا بد من الحساب فإن هناك أسماء كثيرة تتجاوز آلاف الضحايا الذين ماتوا على أرصفة القطارات ولكن لا أحد يريد الحساب ولا أحد يريد أن يفتح ملفات الماضي لأن السكة الحديد قصة من قصص الإدارة الفاسدة وما أكثر الإدارات التى ينبغي أن نفتح ملفاتها ونبدأ الحساب معها..

> فى الوقت الذى نشاهد فيه الكثير من النماذج السيئة فى العمل والإدارة نجد نماذج أخرى بيننا يقدمون نماذج طيبة وناجحة كما يحدث فى بعض المؤسسات مثل القوات المسلحة حيث الانضباط ومستوى الأداء أو أبناؤنا فى الخارج الذين يتولون أعلى المناصب..

> إن الحديث الآن حول جوانب القصور والتراخي التى أصابت المصرى وقد يكون فى ذلك بعض الحقيقة، ولكن هذا الإنسان يعيش فى وطن يتحمل مسئولياته وحياته وأمنه وكل مسئول فى أى موقع يجب أن يخضع للحساب فلا أحد فوق الحساب..

> إن كل مؤسسات الدولة تحاول إصلاح ما أفسدته عهود سبقت من الفساد وسوء الإدارة. إن الرئيس عبدالفتاح السيسى يقود حملة تطهير واسعة ويجمع الأموال من كل اتجاه وفتح الأبواب كاملة لمطاردة أوكار الفساد، ولكن لا أحد يقف خلف الرجل. انه يصارع وحده حشودا امتدت جذورها إلى عمق أعماق هذا الوطن.. إن السكة الحديد ليست المؤسسة الوحيدة التى تحتاج إلى إعادة تأهيل ومتابعة، وإنما هناك آلاف الأسماء ينبغي أن تأخذ مكانا بعيدا لأنها لا تصلح لشئ..

> رفقا بالإنسان المصري فهو لم يكن مسئولا عن حلمه لأنه لم يجد من يعلمه ويمحو أميته وليس مسئولا عن المآسى التى يتعرض لها، لأن لديه سلطة لا يحاسبها أحد.. وليس مسئولا عن فنون هابطة وإعلام مريض وحوارات مضللة فليس لديه ما يمنع به كل هذا الهراء..

> ليس من العدل أمام أنفسنا وأمام العالم أن نصلب الإنسان المصري ونجعله مدانا فى كل ما لحق به من الكوارث والأزمات، هناك ملفات كثيرة جدا عن كل من شارك فى تشويه صورة هذا الكيان الحضاري الشريف والمشرف.. ولكن من ينصف الشرفاء فى زمن لا يقدر الحقيقة ولا يعترف بقيمة البشر..

ويبقى الشعر

نغمٌ أنـَا..

يَنسَابُ مِنْ شَفتـْيـِك

تهْدأ وشوَشاتُ الموج

تسْكن همهَماتُ الريح ِ

تنطلقُ العصافيرُ الجَميلة ُ

فى سَماءِ الكـَوْن ِ

يطوى الصَّمتُ أعناقَ الشجرْ

هلْ تهربينَ مِن ارتعاش القلبِ

مِن صَخبِ الحنين

مِن اندلاع ِ النور

فى القلبِ الحزين المنكسرْ؟

حلمٌ أنـَا ..

هل تكرهينَ مواكبَ العشـَّاق ِ

والأشواقُ ترقصُ فى ركابِ الحُلم ِ

والزمن الجميل المنتظـرْ

أم تندَمين على الزمان ِ وقدْ مَضَى ؟!

مَنْ يُرجعُ الأيامَ يا دنياىَ ؟!

لنْ يُجدى البكاءُ..

على زمَان ضاعَ منـَّا.. وانـْدَثرْ

خوْفٌ أنـَا..

ماذا سيفعلُ عاشقٌ

والليلُ يطردهُ إلى الآفاق ِ!

تتبعهُ جيوشُ الحزن ..

تتركـُه بقايا بينَ أشلاءِ العُمرْ

فى أىّ جُرح ٍ فى ربُوع القلب

كنتِ تسافرينَ.. وتعبثينَ ..

وجُرحىَ المسْكينُ فى ألم ٍ يئنُّ وَينفطـْر؟

سَفرٌ أنـَا..

إنى أراكِ على رحيل ٍ دائم ٍ

وأنا الذى علمَّتُ هذا الكوَن

ألحانَ الرحيل..

وكانَ شعرى أغنياتٍ للسفرْ

كمْ عشتُ أرسمُ فى خيالى

صورة العمر الجميـِل

وصرتُ مثل الناس

تمثالا ًمن الشمْع الرَّخيص

بأىّ سعر قد يُباعُ ..

بأى سهم ٍ.. ينكسرْ

ألمٌ أنا ..

****

لا شَىء فى البستان ِ يبقى
حين يرتحلُ الربيعُ
يَشيخُ وجهُ الأرض
تصمتُ أغنياتُ الطير.. يرتعدُ الوترْ
فى روضة العشاق
أرسُمُ ألفَ وجهٍ للقاءِ..
وألفَ وجهٍ للرحيلِ..
وألفَ قنديل ٍ..
أضاء العمرَ شوقـًا.. وانتحرْ

حُزنٌ أنا..
إنى لأعرفُ أنَّ أحزانى
ضبابٌ يملأ الكونَ الفسيحَ
يسدُّ عينَ الشمس ِ
يَخْبُو الضوءُ فى عَينى
فلا يبدو القمرْ
أنسابُ فى صحراءِ هذا الكون
تنثرنى الرياحُ.. وتحتوينى الأرضُ
ثم أعودُ أمطارًا يبعثرها القدرْ
وهمٌ أنا..
ليلٌ.. وأغنية .. ونجمٌ حَائرٌ
قد كان يتبعنى كثيرًا ..
ثم فى سَأم ٍ عَبرْ
سطـَّرتُ فوقَ الشمس أحلامى
وفوق اللافتاتِ البيضِ..
فى الطرقاتِ.. فـَوقَ مرايل الأطـْفال
رَغـَم الصَّمتِ.. أنطقتُ الحَجرْ
ماذا سأفعلُ والزمانُ المرُّ
يُسكـُرنى من الأحزان ِ
والأملُ الوليد يُطل فى عينى
ويخذلنى النظرْ ؟!
سافرتُ ضوءًا فى العيون
وعدتُ قنديلا ًحزينـًا..
ينتشى بالحُلم ِ أحيانـًا
ويطفِئهُ الحذرْ

من قصيدة «ما عاد الحلم يكفى» سنة 1996

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع 

 

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا تظلموا الإنسان المصرى لا تظلموا الإنسان المصرى



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019

GMT 09:14 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

"دار الإفتاء" تكشف آخر موعد لإخراج زكاة الفطر
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon