توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ألقِ بالحجر يا يوسف

  مصر اليوم -

ألقِ بالحجر يا يوسف

بقلم : علي الرز

لا أدعي شخصيا أنني أملك القدرة والخبرة وملكة التأريخ والتوثيق كي أحكم على ما قاله الكاتب يوسف زيدان عن صلاح الدين الأيوبي. يصعب تأكيد أنه قطع نسل الفاطميين لأن عملا بهذه الضخامة لا يمكن لتاريخ أن يخفيه، كما يصعب إعطاء صورة «انقلابية» مغايرة لتحريره بيت المقدس تختلف بالكامل مع تقاطع روايات تاريخية عربية وأجنبية... لكن أهم ما فعله هذا الكاتب والروائي والمؤرخ الكبير أنه كسر حلقة تخلف في أدمغتنا ورثناها جيلا بعد جيل وأوصلتنا إلى تقديس الأشخاص وأحيانا عبادتهم.

صلاح الدين الأيوبي قائد تاريخي مسلم، ليس نبيا ولا وليا من أولياء الصالحين ولا قديسا ولا شيخ كرامات ولا معصوما. هو بشر، يخطئ ويصيب ومن غير المعقول أن تكون سلوكياته كلها ملائكية أو كاملة. لكننا في منطقة عشقت سبات أهل الكهف، فالاجتهاد توقف عمليا حفاظا على إجماع وهمي بين الأئمة والعلماء وزعماء القبائل وقادة الجيوش، أو حرصا من أمراء المناطق على دعم سلطتهم بفتاوى وتفسيرات معينة، وبدلا من وضع آلية تفسيرية تجعل المسلم سفيرا يقدم لاعتماده أوراق الحداثة والعصرنة والعلم في كل زمان ومكان، تم أسره في منظومة التفسيرات التي تعلي من شأن الغيبيات على الوقائع، وتقرب الرؤى على العلم، وتعطي دنيا البقاء أولوية على دنيا الفناء.

هذا الأمر أدى إلى انتعاش فكرتين توالدتا على مر العصور الإسلامية، الأولى أن الغيبيات والمقدسات والكرامات عناصر أساسية لحل المشاكل، وأن «القائد» هو الأداة المطلوبة للصمود أمام التحديات والعبور إلى انتصارات مجبولا بأحد العناصر السابقة ومتماهيا مع «الأمة»... والنتيجة؟ قائد يمثل الأمة له كرامات ويتمتع حضوره بقدسية دينية أو قومية. هو «المعصوم» الذي يفكر عنا ويحارب عنا ويفاوض عنا. محبته إيمان وبغضه كفر، إن انتصر (ولو ببقائه في السلطة) انتصرت الأمة (ولو سقط مليون قتيل وتهدمت) وإن انهزم هزمت الأمة.

يلقي يوسف زيدان حجرا كبيرا على دائرة مغلقة استمرأ كثيرون منا بقاءها على هذا النحو، هو يتكلم عن أشخاص، تماما كما تكلم الفرنسيون عن أعظم ما انتجته أمتهم في التاريخ أي الثورة الفرنسية عام 1789 التي غيرت وجه العالم، فمن يقرأ ما كتبه المؤرخون هناك عن جرائم الثورة وأخطاء «أبطالها» والسلوكيات اللا إنسانية التي رافقت مسيرتهم على مدى عقود وليس سنوات، يدرك الفارق بيننا وبينهم، فالثورة بقيت وقيمها كذلك ما زالت حاكمة فرنسا وأوروبا... من دون أن يمنع ذلك انتقاد أبطالها.

والواقعية تقتضي أن نذهب أبعد من ذلك، فمن لم يتجرأ على معاينة التاريخ الإسلامي بعين مجردة في فترة عهود الخلفاء الراشدين وما رافق هذه العهود من ملابسات وصلت حد اغتيال الخليفة الثالث عثمان بن عفان، رضي الله عنه، (بالمناسبة لن تجد مسلمان يتفقان على رواية واحدة لهذا الحدث الأليم)، ثم صراعات الداخل، وبعدها انتقال السلطة من فلسفة «الحُكم» إلى صيغة «المُلك»... من لم يفعل ذلك وصل إلى المرحلة اللاحقة، أي تقديس كل الرموز الحاكمة وإسباغ صفات المعصومية عليها، نزولا إلى عهدنا الراهن وإسقاط هذه المعصومية على أناس عاديين تقلدوا السلطة عن طريق مؤامرة أو انقلاب انسجاما مع فكرتي «التقديس» و«القائد».

صدام حسين مثلا كان نائبه طه ياسين رمضان يقول في تصريح علني: «نحن بعد الله نعبدصدام حسين». حافظ الأسد كان أحد كبار الشعراء يقف أمامه وينظم شعرا يقول له فيه: «أنت القضاء والقدر». الفيديوهات التي انتشرت اليوم لجماعة بشار الأسد وهي تجبر المعارضين على الصلاة على صورته والهتاف «لا إله إلا (...)»، والتقديس ينسحب أيضا على الإيرانيين مع الخميني واليوم مع الخامنئي، وعلى بعض اللبنانيين مع زعيم «حزب الله» حسن نصر الله، وعلى أسامة بن لادن أو البغدادي أو الجولاني أو الملا عمر... واللائحة تطول.

يعرف الكثير من المشرقيين أن زمنا وصلوا إليه يمكنك فيك أن تجاهر بكفرك تجاه الله ولا يمكنك أن تنتقد فيه صدام أو الأسد عل سبيل المثال. تجردت القدسية من قميصها النوراني لمصلحة قمصان وضعية عادية فقط لأن العقل طوعه الطغيان وأسره الاستبداد، مع أن الدين ابتدأ بتحرير العقل.

عود على بدء، قد يكون كل ما قاله يوسف زيدان خطأ وقد يكون بعضه صحيحا، لكننا بدل أن نرى نقاشا علميا هادئا موضوعيا لما طرحه يناقش بالأدلة والبراهين والوثائق، نرى النزعة الإقصائية المستمرة المتوارثة تنطلق عبر مجموعة من التهجمات والشتائم ردا عليه. حتى فكرة انتقاد بشر عادي لعب دورا تاريخيا في حقبة ما صارت نوعا من الكفر... فعلا نحن الآن أمة واحدة يريدها الظلاميون برسالة جامدة هامدة.

ألقِ بالأحجار يا يوسف زيدانعساها تنحت بعضا من كتل الإسمنت المعطلة لعمل عقولنا... حتى ولو اختلفنا معك فيما تقول.

GMT 16:38 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أعلنوا الحب

GMT 09:58 2017 الإثنين ,30 تشرين الأول / أكتوبر

المهارات الحياتية وسعادتنا

GMT 22:04 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سحر السعادة

GMT 22:02 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

دبّين .. الوسادة الشمالية لعمان

GMT 12:36 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

​​​​​​​إعادة اكتشاف الآخر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ألقِ بالحجر يا يوسف ألقِ بالحجر يا يوسف



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon