أعلنت «نيسان» أنها ستخفّض إنتاجها العالمي بنسبة 15% من الآن حتى نهاية مارس (آذار) من العام المقبل، بعد أن تخلّت عن الخطة التوسعية التي كان قد وضعها رجل الأعمال كارلوس غصن في العام الماضي، فيما أفاد مجلس إدارة الشركة الفرنسية للسيارات "رينو" بأن المراجعة الداخلية التي أجراها المدققون بعد اعتقال غصن بيّنت أن «بعض النفقات التي قام بها تشكّل مصدر قلق، لعدم شفافيتها واعتماد ممارسات مشبوهة تنتهك المبادئ الأخلاقية للشركة، خصوصاً فيما يتعلّق بالعلاقات مع أطراف ثالثة وتضارب المصالح وحماية الأصول العائدة للمؤسسة».
ومنذ اللحظة التي حطّت فيها طائرة الرئيس السابق لمجموعة «رينو نيسان ميتسوبيشي» كارلوس غصن، في مطار طوكيو ليل التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لم تتوقف وسائل الإعلام اليابانية والدولية عن متابعة أخبار «مسلسل» اعتقاله والاتهامات الموجّهة إليه، والمحاكمة المعلنة التي يزيدها تشويقاً فصول الإفراج عنه بكفالة، ثم اعتقاله ووضعه تحت الإقامة الجبرية، وعودته إلى السجن من جديد بعد توجيه تهم إضافية إليه.
وفيما يستبعد المراقبون أن تتدخّل الإدارة الأميركية في قضيّة غصن، يلاحَظ أن الرياح التي تهبّ من الجانب الفرنسي ليست كما تشتهي أوساط الرئيس السابق لشركة «رينو» التي اختارته لإنقاذ «نيسان» وراهنت عليه بعد ذلك لدمج الشركتين. ورفضت «رينو» أيضاً طلب غصن الحصول على التعويضات الإضافية المخصصة لكبار المسؤولين التنفيذيين في المؤسسات الفرنسية، خلافاً لمعاشهم التقاعدي، حتى وفاتهم، والتي تقدّر في حالته بنحو 800 ألف دولار سنويّاً.
اقرأ أيضًا:
«نيسان» تعزز من مكانة سيارتها الكلاسيكية بمعرض نيويورك
صحيح أن سقوط غصن، الذي كان أشهر رجال الأعمال في قطاع السيارات العالمي، لم يعد يتصدّر نشرات الأخبار والصحف الدولية، لكنه ما زال يستأثر باهتمام واسع في الأوساط الإعلامية والاقتصادية اليابانية، ومتابعة عن كثب من دوائر القرار في قطاع صناعة السيارات الذي يعيش منذ فترة مرحلة من التغييرات الجذرية، ناهيك باهتمام أهل القانون بتطورات هذا الحدث الذي كشف للغرب «نظاماً قضائياً في اليابان هو أقرب إلى الصين منه إلى بريطانيا»، كما قال مؤخراً أحد أساتذة القانون في جامعة هارفارد.
الفصل الأخير في مسلسل الرجل الذي كان رمز العولمة وقائد التحالف الثلاثي الذي ينتج 11% من السيّارات في العالم، بدأ مطلع هذا الشهر عندما أمرت النيابة العامة باعتقاله مرة أخرى استعداداً لتوجيه تهم جديدة إليه، بعد أن كان قد دعا لعقد مؤتمر صحافي أعلن أنه سيكشف خلاله عن معلومات حول «مؤامرة اعتقاله» والأهداف المخفيّة وراءها.
وقد اضطر غصن إلى إلغاء المؤتمر الصحافي، واستعاض عنه ببثّ شريط فيديو مسجّل أمام وسائل الإعلام في مقر رابطة المراسلين الأجانب في العاصمة اليابانية، اتهّم فيه مسؤولين في شركة «نيسان»، من غير أن يسمّيهم، بـ«طعنه في الظهر» للحفاظ على مناصبهم.
وبدا واضحاً من مضمون الفيديو أن غصن قرّر، للمرة الأولى، الانتقال إلى الهجوم المباشر في معركته مع القضاء الياباني عندما قال: «هذا ليس جشعاً، بل ديكتاتورية»، واتهّم مديري «نيسان» بأنهم «ضالعون في لعبة قذرة» خشية فقدانهم مناصبهم إذا تمّ الدمج بين الشركة اليابانية وشركة «رينو» الفرنسية كما كان يخطّط.
وأضاف غصن أنه يشعر بالقلق إزاء النتائج السيئة للشركة في الفترة الأخيرة وبسبب «عدم وجود رؤية واضحة حول مسار التحالف الذي دمّر أصولاً ثمينة في الأشهر الأربعة الماضية».
في الساعات الأولى من يوم أمس (الاثنين)، وجّه مكتب الادّعاء العام في طوكيو، للمرة الرابعة منذ اعتقاله، اتهامات جديدة ضد غصن بخيانة الأمانة واختلاس أموال الشركة لمنفعته الخاصة. وقد وصف خبراء قانونيون هذه الاتهامات بأنها «أخطر ما وُجِّه إليه حتى الآن». وجاء في مضبطة الاتهام أن غصن أمر بإجراء تحويلات مالية إلى شركة لتوزيع السيّارات في الشرق الأوسط، سُحبت منها لاحقاً مبالغ إلى شركة لبنانية يشرف هو عليها.
وتنشط زوجة غصن منذ فترة في حملة واسعة للدفاع عنه ومناشدة الرأي العام والسياسيين مساعدته على مواجهة «المؤامرة التي يتعرّض لها» على حد قولها. وكانت كارول غصن قد توجّهت إلى باريس للطلب من الحكومة الفرنسية التدخّل لمساعدة زوجها، ثم عادت إلى طوكيو للإدلاء بشهادتها أمام النيابة العامة اليابانية، وناشدت الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التوسّط لدى رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي «للإفراج عن زوجها بكفالة كي يستعدّ للمحاكمة».
وكانت زوجة غصن، التي تحمل أيضاً الجنسية الأميركية، قد أدلت بتصريحات لعدد من كبريات الصحف العالمية انتقدت فيها ما تعرّضت له على يد السلطات اليابانية التي صادرت جواز سفرها اللبناني ودفتر يومياتها ورسائلها الخاصة وحقيبة يدها وهواتفها، وقالت إنها لدى خروجها من الحمّام يوم دخول موّظفي النيابة العام منزلها «تسلّمت المنشفة من يد مدّعية عامة»، وأضافت: «عاملوني كمجرمة، رغم أنه لم توجّه إليّ أي تهمة... النيّة من مداهمة المنزل عند الفجر كانت واضحة: محاولة غير إنسانية لإذلالنا وانتهاك كرامتنا وحقوقنا الأساسية».
وكانت وسائل الإعلام اليابانية قد نقلت عن مصادر النيابة العامة أن كارول غصن قد تكون ضالعة في قضيّة الاختلاسات المالية التي اتُّهِم زوجها بأنه قد حوّلها إلى شركة لبنانية يشرف عليها، لاعتقاد المحققين بأن بعض هذه الأموال قد تمّ تحويلها إلى شركة تملكها هي في الجزر العذراء البريطانية. ونقلت صحيفة «جابان تايمز» عن خبراء يابانيين أن الحملة التي تقوم بها زوجة غصن عبر وسائل الإعلام «قد تثير بعض التعاطف مع زوجها، لكن من غير المحتمل أن تؤثر في النتائج المرتقبة من المحاكمة»، إذ ليس مألوفاً في اليابان أن يقوم أحد أفراد عائلة متهم بحملة إعلامية شرسة لتأكيد براءته قبل المحاكمة.
وتجدر الإشارة إلى أن قضيّة اعتقال غصن قد أثارت انتقادات شديدة في الدول الغربية للنظام القضائي الياباني، لاعتباره مناقضاً للمبادئ التي يفترض أن يلتزم بها مجتمع ديمقراطي وليبرالي مثل اليابان. ويتوقّف المعلّقون عند إجراءات إخضاع المشتبه بهم لجلسات استنطاق تدوم ثماني ساعات يوميّاً في مراكز الاعتقال بهدف الحصول منهم على اعترافات تستخدم لإدانتهم، ولا يسمح لهم الاتصال بأفراد أسرهم أو الحصول على مساعدة قانونية خلال الاستجواب. ويقول بعض المحلّلين إن المعاملة القاسية التي يتعرّض لها غصن مردّها إلى كونه «Gaijin» أي أجنبي، مما يعطي القضيّة بعداً عنصريّاً ليس بجديد في علاقات اليابان التاريخية مع جيرانها
قد يهمك أيضًا:
نيسان إيجيبت ترفع أسعار "صني" وتُثبت أسعار سنترا وقشقاي
رئيس "نيسان إيجيبت" يؤكد أنه يراهن على "صني" للحفاظ على تصدرنا للسوق المصري
أرسل تعليقك